لقد شبّه بعض الباحثين نشاط الملاحة البحريّة الجبيليّة في ذلك الوقت بأكبر الشركات البحريّة نسبة إلى اليوم ، وإنّ آثار الحقبة الثالثة من حقبات جبيل التي تنتهي في حوالى ٣٠٠٠ ق. م. تدلّ على أنّ حدثا أسطوريّا أصاب القرية فغيّر معالمها ، إذ وسّعت البيوت وحّسنت هندستها وتلاصقت ، وأقيم حول كلّ منها شبه سور ، وأصبح الحجر المستعمل في بنائها أكثر تهذيبا ، وبدأ استعمال الأعمدة الخشبيّة عموديّا والجسور أفقيّا في عمليّة سقفها ، وتمّ بناء هيكل جديد للعبادة بالقرب من النبع ، ووسّع الهيكل الأوّل فأصبح من بناءين ؛ كذلك تطوّرت صناعة الخزف بعد أن عرفوا دولاب الخزّاف والأتون من خلال اتّصالهم بفلسطين وبلاد ما بين النهرين ، وأصبحت صناعته حرفة تقوم بذاتها ، وإنّ أقدم قطع خزفيّة لبنانيّة ، قد وجدت في جبيل ؛ وبدأوا يتعاطون صناعة المعادن بشكل واسع. ومن دلالات التطوّر الإجتماعيّ السريع في تلك الحقبة نقل المدافن إلى خارج المناطق السكنيّة.
مع بداية العهد البرونزي في أوائل الألف الثالث ق. م. ، كانت مساحة جبيل قد زادت إلى حوالى عشرة دونومات كما بيّنت حفريّات الطبقة الرابعة ، وقد اكتظّت هذه المساحة بالبناء الذي أصبح متلاصقا حول أزقّة يتّصل جميعها بطريق يقود إلى المقابر ، وقد ظهرت معالم أقنية لتصريف المياه زوّدت بها تلك الأزقّة. وكان الهيكل الرئيسيّ قد أضحى أكثر اتساعا وأضيف إليه ، فضلا عن ذلك ، باحة خارجيّة رحبة مرصوفة. واستمرّ ذلك التوسّع طوال العهد البرونزيّ ، إذ سرعان ما أصبحت جبيل ، قبيل حلول منتصف القرن الثلاثين ق. م. ، مدينة مزدهرة التجارة الخارجيّة كما تدلّ آثار الحقبة الثالثة من حفريّاتها ، وتؤكّد على ذلك الآثار الفرعونيّة في مصر ، فإضافة إلى الأخشاب التي كانت تصدّرها جبيل إلى مصر الفقيرة بهذه المادة ، أصبحت