المراكب الجبيليّة تحمل إلى وادي النيل الخمر والزيت والزيتون وصموغ الأرز والصنوبر والشربين والسرو التي كان يستعملها المصريّون في التحنيط ، وتعود من مصر محمّلة بالذهب والمعادن وورق البردى ، وكانت القوافل التجاريّة بين جبيل ومصر تعبر ، إضافة إلى البحر ، الطريق البريّة التي كانت تصل جبيل بدلتا النيل مرورا بمحاذاة الشاطئ اللبنانيّ فالفلسطينيّ وصولا إلى سيناء فدلتا النيل. وبدءا من زمن الأسرة الفرعونيّة الثانية الذي يعود حكمها إلى أواخر الألف الرابع ق. م. ، كانت القرابين والتقدمات الملكيّة المصريّة تقدّم إلى هيكل جبيل كما أكّدت الآثار ، ما يدلّ على أنّ المصريّين كانوا قد بدأوا يزورون جبيل لحاجات تجاريّة ، ويعتقد الباحثون بأنّ المصريّين كانوا في هذه الحقبة قد أنشأوا لهم جالية في جبيل ، مستدلّين على ذلك بما وجد من آثار وبقايا مصريّة في حفريّات جبيل ، منها مزهريّة من المرمر مرفوعة إلى الإلهة ـ بعلة جبيل ـ محفور عليها إسم الفرعون خوفو باني هرم الجيزة حوالى ٢٨٠٠ ق. م. ، كما وجدت تقدمات ونذورات مشابهة من الذين سبقوا خوفو وعقبوه ، ومن أروع الإكتشافات الأثريّة على الإطلاق زورق خوفو الذي كان يستخدم في مراسيم دفن الموتى وطوله ستّون قدما ، عثر عليه شابّ مصريّ سنة ١٩٥٤ قرب هرم الجيزة مدفونا داخل طبقة كلسيّة تحت الأرض ، وكان لا يزال بحالة سليمة ، وهو مصنوع من خشب الأرز ، وقيل إنّ خشب هذا الزورق لا يزال يحتفظ حتّى اليوم برائحة الأرز ؛ وإنّ المراكب الشراعيّة المصريّة ، بدءا بالأسرة الفرعونيّة السادسة (٢٦٢٥ ـ ٢٤٧٥) كانت تعرف ب" مراكب جبلة" ، ومنذ ذلك التاريخ الغارق في القدم أصبح إسم الجبيليّ ملازما لصناعة السفن ، ويعتبر عدد كبير من الباحثين أنّ المصريّين كانوا يخشون ركوب البحر وأنّ الجبيليين هم الذين علّموهم فنّ الملاحة ، وأنّ الجبيليّين كانوا يصنعون السفن للمصريّين إمّا في جبيل أو في