ولم يكتف هذا الأمير الثائر بتحرير مصر بل طاردهم بجيشه إلى فلسطين فلبنان ، وقد تابع خلفاؤه هذه المطاردة الطويلة التي حوّلت مصر من مملكة مسالمة إلى إمبراطوريّة محاربة إستعماريّة كبرى ، إلى أن قام طحوتموس الثالث (١٤٩٠ ـ ١٤٣٦ ق. م.) بتوجيه الضربة القاضية في سورية ومدن الشاطئ اللبنانيّ إلى دولة الهكسوس وأحلّ مكانها السيادة المصريّة. ولا تفيدنا الآثار عن أنّ جبيل قد تعرّضت جرّاء هذه الحرب إلى الخراب أو الدمار ، ويبدو أنّ طرد الهكسوس منها لم يكن دمويّا.
الأبجدية الجبيلية الفينيقية
في غضون هذه الحقبة من التاريخ ، يبدو أنّ سكّان مدن شرقيّ البحر الأبيض المتوسّط الواقعة على البقعة الممتدّة بين مصبّ العاصي ، شمالي أو غاريت ، وجنوبي عكّا في فلسطين ، قد بدأوا يعرفون بالفينيقيّين. وكان أهمّ تلك المدن : أو غاريت ، أرواد ، طرابلس ، جبيل (بيبلوس) ، بيروت (بيريت) ، صيدا (صيدون) ، صور ، عكّا. وقد أصبح اليوم معروفا أنّ شعب تلك المدن قبل أن يعرف بالفينيقيّ ، كان يعرف بالكنعانيّ ، وأنّ أصل إسم كنعان ، الذي هو أقدم إسم أطلق على هذه المنطقة ، يرجع إلى لفظ حوريّ : كنجي ، أي بلاد الأرجوان ، (وليس كما كان يعتقد سابقا بأنّ أصل اللفظ ساميّ ويعني الأرض المنخفضة) ، ولفظة كنجي ذاتها تصبح في اللغة الأكاديّة : كنخني ، وفي رسائل تل العمارنة : كنخي ، ويصبح لفظ" كنخ" في الفينيقية : كنع ، وفي العبريّة : كنعان ، كما ورد في التوراة. واستنادا إلى هذا التعليل الفيليولوجي للإسم تكون صناعة الأرجوان معروفة ومزدهرة في القرن الثامن عشر أو السابع عشر ق. م. ، أي لمّا وطّد الحوريّون في شمال العراق القديم علاقاتهم مع سكّان شاطئ البحر المتوسّط. أمّا لفظ" فينيقي" فإغريقيّ أصله PHOINIX ومعناه