إنّ الدراسة المعمّقة لمسألة الحرف والأبجديّة التي عرفت بالفينيقيّة ، لا تدع مجالا للشكّ في أنّه كان للجبيليّ اهتمام مميّز عن أيّ كان في عمليّة تطوير هذه الأبجديّة التي ستصبح أمّ الأبجديّات في العالم. وإلا فما تفسير عدم اكتشاف أيّ نصّ أبجديّ في تلك الحقبة من التاريخ ليس لها علاقة إمّا بأرض جبيل ، أو بملك جبيليّ؟ وهي أمّ الأبجديّات في العالم لأنّ اليونان سوف ينقلونها ، بين ٨٥٠ و ٧٥٠ ق. م. ، محافظين على الأسماء الساميّة للحروف وعلى شكلها العامّ وترتيبها ، وكانت تكتب الحروف في أقدم الكتابات الأثريّة اليونانيّة من اليسار إلى اليمينن ، كما في الكتابة الفينيقيّة ، واعترف اليونان بما نقلوه في قصّة قدموس الذي ينسب إليه إدخال ستّة عشر حرفا. ونقل اليونان في القرن السادس إلى الرومان أبجديّة أدخلوا إليها بعض التحسينات ، ومنها تولّد معظم الأبجديّات الأوروبيّة. والآراميّون الذين أخذوا أبجديّتهم عن الفينيقيّين نقلوا تلك الأبجديّة إلى العرب والهنود والأرمن وسائر الشعوب الشرقيّة التي تستعمل الأبجدية. وقد ظهّرت جبيل المعاصرة كون جبيل مهدا للأبجديّة بإقامة" نصب الأبجديّة الفينيقيّة" في الساحة الكبرى مقابل الواجهة الجنوبيّة للقلعة ، وهو من تصميم ونحت الفنان نبيل بصبوص.
وسط التجاذب الحثّي ـ المصري
في الوقت الذي كان فيه الجبيليّ على هذا المستوى من الفكر والإبداع ، كانت مصر قد فقدت سيادتها العمليّة على المنطقة ، وكانت قد ظهرت في الشمال قوّة عسكريّة جديدة عملاقة ، تألفت من مجموعة شعوب مختلطة انضمّت إلى قبيلة مغمورة من قبائل الأناضول تعرف بقبيلة ختّي ، فعرف مجموع هذا الشعب ب" الحثيين" ، وقد أنشأ هؤلاء في أوائل القرن التلسع عشر ق. م. مملكة لهم شملت الأناضول وجزءا من شمال سورية والعراق ، وفي