موزعا بين العموريّين والكنعانيّين والحوريّين والحثيّين والآراميّين والفلسطينيّين والعبرانيّين ، ولم يعد للمصريّين أيّة مناطق نفوذ.
في هذه الحقبة من التاريخ ، أصبح الجبيليّ ، كما وسواه من أبناء مدن الشاطئ اللبنانيّ ، بوضع عزلة عن محيطهم ، ما يدفعنا إلى الظنّ بأن الفينيقيّ لم يجد له سوى البحر منفذا للطموح ، ويعتبر الباحثون أنّ الفينيقيّين قد نشطوا ، في ذلك العصر الواقع في بداية الألف الأخير قبل الميلاد ، في أعمالهم البحريّة ، فكانوا روّاد اكتشاف العوالم الجديدة. أمّا جبيل تخصيصا ، فقد خسرت بريقها التجاريّ أمام المدن الفينيقيّة الفتيّة نسبيّا ، خاصّة صيدا وصور ، غير أنّها ، من جهة أخرى ، حقّقت مكانة منقطعة النظير على صعيد الدين. إذ إنّ البعلة التي كانت تختصّ بها مدينة جبيل منذ القدم ، سوف تصبح معبودة الأمم ، وسوف تصبح مدينة جبيل ومحيطها محجّ المؤمنين وقبلة أنظارهم.
جبيل عاصمة دينية
قبل أن يحلّ الألف الأوّل السابق للميلاد ، كان الشعب الفينيقيّ ـ الكنعانيّ قد بلغ مرحلة جدّ متقدّمة على الصعد الحضاريّة كافّة ، فكريّا وعلميّا وفنيّا واجتماعيّا وسياسيّا واقتصاديّا.
على الصعيد الفكريّ ، حقّق الفينيقيّ تعمّقا وسموّا بعيدين بعد أن أوجد الجبيليّ الحرف الكتابيّ ، فبذلك أصبح تبادل الأفكار العلميّة والدينيّة متاحا بسهولة مع الحضارات الأخرى ، خاصّة وأنّ الفينيقيّ كان متمكّنا كلّ التمكّن من الأسفار عبر البحار بل كان سيّدها ، ولسوء حظّنا فإنّ الجبيليّ كان يكتب على ورق البردي القابل للتلف ، ما حرمنا من آثار كتاباته في تلك الحقبة ،