مندوحة عن اعتبار أن الجبيليّ هو الذي اكتشف نجمة القطب الشماليّ ليتمكّن من تحديد الجهات ، وإن يكن الإغريق قد سمّوا في ما بعد هذه النجمة بإسمهم. كما أنّ أطرزة السفن التي صنعها الجبيليّون وتطوّر أشكالها تنمّ عن نزعة علميّة أكيدة عند ذلك الشعب المذهل. وتؤكّد الدراسات الحديثة على أن الجبيليّين هم أوّل من أعطى شعوب الأرض فنّ الملاحة ، فبعد المصريّين ، أقتبس الإغريق عن الفينيقيّين فنون الملاحة وصناعة المراكب ، وكذلك فعل العبران الذين علّمهم الصوريّون في ما بعد كيفيّة الإبحار.
وإذا كانت اقتصاديّات المدن الفينيقيّة التي نشأت في زمن متأخّر عن زمن نشوء مدينة جبيل ، قد تركّزت على الفنون والتجارة والملاحة ، بعد أن كانت جبيل قد عبّدت الطريق لكلّ هذه الأنشطة الحضاريّة ، فإنّ الجبيليّ قد أعطى الزراعة منذ البدء اهتماما كبيرا لأنّ اقتصادياتّه قد اعتمدت عليها في الأساس. ويستخلص الباحثون أنّه كان للزراعة ، التي كانت الأساس في صراع الجبيليّ من أجل البقاء ، أبعد الأثر في العقيدة الدينيّة عند الفينيقيّ.
نجد أوّل ما نجد من آثار للعبادة الجبيليّة القديمة ، هيكلا للإله" رشف بعل" ، وقد وجدت آثار هذا الهيكل في الطبقة الثانية من الحفريّات التي تعود إلى ما بين ٣٨٠٠ و ٣٢٠٠ ق. م. ، وإسم رشف بعل يعني : النار والنور ، وهذا يدلّ على أنّه كانت لذلك الإله علاقة بالشمس ، وليس بالنّار كما يظنّ البعض. فإنّ تطوّر الديانة الجبيليّة في ما بعد سوف يدلّ على أنّ فكرة موت إله الخضرة في الصيف وقيامه في الربيع كانت تقرن بقوّة الشمس وحرارتها وانتصارها على الشتاء.
أمّا الهيكل الأقدم في جبيل ، والذي سيستمرّ وجوده طوال الحقبة السابقة للمسيح ، فهو هيكل بعلة جبيل. وقد كان لكلّ مدينة فينيقيّة في ذلك الزمان إلهة