لاحق ، أصبحت صيدا وصور البريّة وعكّا تضع تحت تصرّف الأشوريّين أسطولا بحريّا يضمّ ٨٠٠ بحّار لفرض الحصار على صور البحريّة الثائرة.إلّا أن تلك المدن الجنوبيّة بقيت تتحيّن الفرص للثورة على الأشوريّين ، وكانت في كلّ مرّة تسقط واهنة تحت ضغط القوّة العسكريّة العظمى ، بينما استمرّت جبيل في سياستها المسالمة طوال مدّة السيطرة الأشوريّة على المنطقة ، تلك السيطرة التي ينتهي زمنها في الربع الأخير من القرن السابع ، مع ظهور الكلدانيّين الذين ورثوا أشور كما ورثوا سيادتها ، وقد اتّبعت جبيل مع الكلدانيّين السياسة التي اتّبعتها مع أسلافهم الأشوريّين ، بينما تابعت مدن الجنوب سياستها السابقة أيضا ، وهكذا سوف تخرج جبيل من الحقبة البابليّة واهنة ضعيفة نسبيّا ، وصيدا وصور شبه خربتين. وكان نشوء قوّة حربيّة جديدة عظمى في الشرق ، وبدء اندفاع جحافلها نحو المتوسط ، نذيرا بتطوّر دراماتيكيّ سوف يقلب كلّ شيء. تلك القوّة العملاقة الجديدة كانت : فارس.
في العهد الفارسي : استقلال دون سيادة
أسّس" كورش" الأمبراطوريّة الفارسيّة في منتصف القرن السادس قبل الميلاد ، ووسّع حدودها إبنه" قمبيز" ، ومن بعده" داريوس". وبأقلّ من ثلاثين سنة غدت هذه الإمبراطوريّة الأوسع في تاريخ الشرق ، إذ أصبحت تمتدّ شرقا من الهند إلى البحر الإيجي غربا ، ومن القوقاس شمالا إلى المحيط الهنديّ جنوبا. وقد قسّمت هذه الأمبراطورية الشاسعة إلى ٢٠ أيالة ، كانت الأيالة الخامسة منها تشمل لبنان وسورية وفلسطين وقبرص إلى الغرب ، وكانت صيدا عاصمتها. وقسّمت فينيقية إلى أربعة أقسام تابعة لأربع مدن شبه مستقلّة : صيدا وصور وأرواد وجبيل. وقد حافظت هذه الأقسام التي تتمثّل بالمدن الأربع المستقلّة على نظام الملكيّة فيها. فقد كان لكلّ مدينة ملك