في العهد الإغريقي
سنة ٣٣٣ ق. م. فاجأ الفاتح الإغريقيّ الشابّ الإسكندر المقدونيّ العالم بسحق الفرس بالقرب من أيسوس في آسيا الصغرى. ومن هناك أرسل كتيبة من الفرسان لاحتلال مقرّ أركان الفرس : دمشق ، واتّجه هو على رأس بعض جيشه نحو الشاطئ الفينيقيّ ، حيث راحت المدن ، ما عدا صور ، تفتح له أبوابها ، واستسلمت له جبيل دون مقاومة ، ولم يمض وقت طويل حتى كانت السفن الجبيليّة ، كما الصيداويّة والأرواديّة ، تشارك الإسكندر في حصاره الشهير لجزيرة صور الذي دام سبعة أشهر قبل أن يتمكّن من ردم البحر والانقضاض على الجزيرة المدينة في أواسط شهر تموز من العام ٣٣٢ ق. م. ، وبذلك انتهى الدور العظيم الذي لعبته صور في التاريخ ، بعد أن خلفها الإسكندر وراءه مدينة خربة محروقة شبه خالية من السكان.
إستنتج الباحثون أن النشاط التجاريّ الذي كان قائما بين الإغريقيّين والفينيقيّين في زمن الإحتلال الفارسيّ ، قد ازداد حيويّة وشموليّة بعد الفتح المقدونيّ ، فقد رافق التجّار والبحّارة الفينيقيون حملات الإسكندر على بلوخستان (هي حاليّا المنطقة الجنوبيّة الغربيّة من باكستان.) وكان الجبيليّون في هذه الحقبة يساهمون من خلال تجارتهم بترويج البضائع الإغريقيّة في أسواق الشرق الأدنى ، على أنّهم غدوا زعماء تجارة ورق البردى دون منازع ، تلك التجارة التي ازدهرت في العصر السلوقيّ إذ استبدلت الكتابة على ألواح الآجرّ بالكتابة على ورق البردى.
كان للفتح الإغريقيّ تأثيره الملحوظ على حضارة جبيل وسائر المدن الفينيقيّة ، فقد امتزجت الحضارتان الفينيقيّة والإغريقيّة امتزاجا تفاعليّا في عمليّة أخذ وعطاء ، ومن جملة ما أخذه الإغريق من جبيل تبنّيهم للدين