الملك : وأبيك يا سطيح ، إن ذلك لنا لغائط موجع ، فمتى هو كائن؟ أفي زماني أو بعده؟ قال : بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين ، يمضين من السنين. قال : فهل يدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال : ينقطع لبضع وسبعين يمضين من السنين ثم يقتلون بها أجمعين ويخرجون منها هاربين. قال الملك : ومن الذي يلي ذلك منهم من قتلهم وإخراجهم؟ قال : يليه إرم ذي يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحدا منهم باليمن. قال : فيدوم ذلك من سلطانه؟ أو ينقطع؟ قال : بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين. قال : ومن يقطعه؟ قال : نبي زكي ، يأتيه الوحي من قبل العلي ، قال : وممن هذا النبي صلىاللهعليهوسلم؟ قال : من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر. قال : وهل للدهر (١) يا سطيح من آخر؟ قال : نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ، يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون. قال : أحق ما تخبرني به يا سطيح؟
قال : نعم. والشفق والغسق والفلق إن ما نبأتك به لحق.
قال : فلما فرغ سطيح من قوله قدم عليه شق ، فدعا به ، فقال : يا شق إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها ، فأخبرني عنها ، فإنك إن أصبت ، أصبت تأويلها كما قال لسطيح. وقد كتمه ما قال سطيح له لينظر أيتفقان أم يختلفان. قال : نعم. رأيت حممة خرجت من ظلمة ، فوقعت في روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة. فلما قال له ذلك عرف أنهما قد اتفقا ، وأن قولهما واحد. إلا أن سطيحا قال : وقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة ، وقال شق : وقعت بين روضة واكمة وأكلت منها كل ذات نسمة.
فلما رأى الملك ذلك أن قولهما شيئا واحدا قال : ما أخطأت يا شق ، فما عندك في تأويلها؟
قال : أحلف بما بين الحرتين من إنسان ، ليردن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل ذي طفلة (٢) البنان ، وليملكن ما بين أبين ونجران.
قال له الملك : وأبيك يا شق ، إن هذا لنا لغائط موجع ، فمتى هو كائن في زماني أم بعده؟ قال : بعده بزمان ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن ، يذيقهم أشد الهوان ...
__________________
(١) بالأصل : الدهر ، والمثبت عن سيرة ابن هشام.
(٢) الطفلة : الناعمة الرخصة.