هذا النهر العديدة والمتقاربة ، كانت مساكن الإنسان البدائي ، إنسان العصر الحجريّ القديم الذي تعود نهايته إلى نحو مائتي ألف سنة في غياهب الزمان.
يفصل ذلك العصر عن العصرين الحجريّين المتوسّط والحديث عشرات ألوف السنين ، وقد أثّرت هذه الحقبة الزمنيّة المديدة الفاصلة بين العصرين في قدرات الإنسان الذهنيّة ، فأحدثت بعض التغيّرات الطفيفة على أدواته ، ما ينمّ عن بعض التقدّم في مسار الإنسان الحضاريّ ورقيّه. فلقد زاد الإنسان معرفة نتيجة لإختباراته العفويّة والذكيّة ، فزاد إنسان العصر الحجريّ المتوسّط في صقل أدواته الحجريّة ليجعلها أكثر فعالية من سابقاتها ، وفي العصر الحجريّ الحديث جعل لأدواته مقابض تمكّنه من التحكّم بها والإستفادة من فعاليّتها ، كما أكسبها الصقل المتقن سطحا ناعما جميلا ، ما يفيد عن أنّ هذا الإنسان كان قد بدأ يتذوّق الجمال والفنّ ، وما يؤكّد على هذا ما وجد في مغاور نهر الكلب من أدوات تميّزت بالكثير من العناية ، فأضحت فنيّة حسنة المنظر ، من تلك الأدوات مجموعة رائعة صنعها إنسان العصر الحجريّ الحديث وجدت في الحفريّات التي أجريت في الرأس القريب من مصبّ النهر الكلب ، وهو المكان الذي يعرف ب" رأس الكلب".
هذا العصر ، دام ألفي سنة إبتدأ من حوالي ٦٠٠٠ ق. م. وإلى إنسانه الذي عاش في نواحي هذه البقعة ، يعود الفضل في اكتشافين عظيمين نسبة لذلك التاريخ : الخزف ، والمعدن. وفي هذه الحقبة بدأ إنسان لبنان يخيط لنفسه ملابس من جلود الحيوانات التي كان يصطادها. وممّا يدلّ على هذه الظاهرة العثور على إبر ودبابيس في المغاور المحيطة بمجرى نهر الكلب التي كان يسكنها ذلك الإنسان ، تلك المغاور الشبيهة على كثرتها بقرص شهد النحل.