أتي بي الحجاج موثقا ، فإني لعنده إذ جاء الحاجب فقال : إن بالباب رسلا فقال : ائذن ، فدخلوا عمائمهم على أوساطهم وسيوفهم على عواتقهم وكتبهم بأيمانهم ، فدخل رجل من بني سليم يقال له سيابة بن عاصم ، فقال : من أين؟ قال : من الشام ، قال : كيف تركت أمير المؤمنين؟ كيف جسمه فأخبره قال : هل كان وراءك من غيث؟ قال : نعم ، أصابني فيما بيني وبين أمير المؤمنين ثلاث سحائب ، قال : فانعت كيف كان وقع المطر ، وكيف كان أثره وتباشيره؟ قال : أصابتني سحابة بحوران فوقع قطر صغار وقطر كبار ، فكان الصغار لحمة للكبار ، ووقع بسيط متدارك وهو السّحّ الذي سمعت به فوادي سائل ووادي (١) نازح وأرض مقبلة وأرض مدبرة ، وأصابتني سحابة بسوى فأروت الدماث وأسالت العزاز (٢) ، وأدحضت التلاع وصدعت عن الكماة أماكنها ، وأصابتني سحابة بالقرنين (٣) ففاءت الأرض بعد الري وامتلأ الإخاذ وأفعمت الأودية ، وجئتك في مثل وجار الضبع ، أو قال مجرّ.
قال : ائذن ، فدخل رجل من بني أسد ، فقال : هل كان وراءك من غيث؟ قال : لا كثر الإعصار واغبرّ البلاد ، وأكل ما أشرف من الجنبة يعني النبت ، واستقينا أنه عام سنة ، قال : بئس المخبر أنت ، قال : أخبرتك بالذي كان.
قال : ائذن ، فدخل رجل من أهل اليمامة فقال : هل وراءك من غيث؟ قال : نعم ، سمعت الرعاء تدعو إلى ريادتها وسمعت قائلا يقول : هلمّ أظعنكم إلى محلة تطفأ فيها النيران وتشكي فيها النساء ، وتنافس فيها المعزى ، قال : فلم يفهم الحجاج ما قال ، فقال : ويحك إنما تحدث أهل الشام فأفهمهم (٤) ، قال : نعم ، أصلح الله الأمير ، أخصب الناس فكان التمر والسمن والزبد واللبن ، ولا يوقد نار يختبز بها ، وأما تشكّي النساء فإن المرأة تظل تربق (٥) بهمها ، وتمخض لبنها فتبيت ولها أنين من عضديها كأنهما ليسا منها ، وأما تنافس المعزى ، فإنها ترى من أنواع الشجر وألوان الثمر ما تشبع بطونها ولا تشبع عيونها ، فتبيت وقد امتلأ أكراشها ، لها (٦) من (٧) الكظة جرّة حتى تستنزل الدرة. قال : ائذن ، فدخل رجل من الموالي ،
__________________
(١) كذا بالأصل هنا بإثبات الياء.
(٢) العزاز الأرض الصلبة.
(٣) كذا هنا ، وتنقدم : القريتين.
(٤) غير واضحة بالأصل ، والمثبت كما في الرواية السابقة.
(٥) ربق الشاة والجدي : شدها في الربقة وهي عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها (انظر اللسان).
(٦) بالأصل : بها.
(٧) من قوله : أكراشها إلى هنا مكرر بالأصل.