قال ابن عباس : فلمّا أيس من إيمان قومه (١) دعا عليهم ربّه ، وأوعدهم العذاب بعد ثلاثة أيام (٢) ، وأخرج أهله ، ومعه ابناه صغيرين ، فصعد جبلا ينظر إلى أهل نينوى ، ويترقب العذاب. قال : وعاين قوم يونس العذاب للوقت الذي وقّت لهم يونس ، فلمّا استيقنوا بالعذاب سقط (٣) في أيديهم ، وعلموا أن يونس قد صدقهم ، فبعث القوم إلى أنبياء كانت في بني إسرائيل ، فسألوهم عما ابتلوا به ، فقالوا : اطلبوا يونس يدعو لكم ، فإنّه هو الذي دعا عليكم ، فطلبوه ، فلم يقدروا عليه ، فقالوا : تعالوا نجتمع إلى الله ، فنتوب إليه. فخرجوا جميعا الرجال والنساء والبهائم ، وجعلوا الرماد على رءوسهم ، ووضعوا الشوك من تحت أرجلهم ، ولبسوا المسوح (٤) والصوف ، ثم رفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء ، وجأروا (٥) إلى الله ، وعلم الله منهم الصدق ، فقبل توبتهم (٦).
يقول الله تعالى : (فَلَوْ لا) ، يعني : فلم يكن (قَرْيَةٌ آمَنَتْ) عند معاينة العذاب ، (فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [سورة يونس ، الآية : ٩٨].
قال (٧) : وكانوا عاينوا العذاب أول يوم من ذي الحجة ، ورفع عنهم يوم العاشر من المحرم. فلما (رأى) يونس ذلك جاءه إبليس عدو الله ، فقال له : يا يونس ، إنّك إن رجعت إلى قومك اتّهموك وكذبوك ، فذهب مغاضبا لقومه ، (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٧] ، فقد كذب. فانطلق يونس حتى أتى شاطئ دجلة معه أهله وابناه. فجاءت سفينة ، فقال : احملوني ، فقالوا : قد أوقرنا سفينتنا هذه ، فإن شئت حملنا بعض من معك ، فتلحقنا بسفينة أخرى ، فتركبها. قال : فحمل أهله ، وبقي يونس وابناه ، فطلعت سفينة ، فانطلق يونس إليها ، ودنا أحد ابنيه من شاطئ دجلة ، فزلّت رجله ، فوقع في الماء ،
__________________
(١) قيل إنه أقام يدعوهم تسع سنين انظر تفسير القرطبي ٨ / ٣٨٤.
(٢) في تفسير الرازي الكبير : بعد أربعين ليلة.
(٣) سقط في يده وأسقط زل وأخطأ ، وقيل : ندم ، وفي التنزيل العزيز (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) قال الفارسي : ضربوا أكفهم على أكفهم من الندم. (تاج العروس).
(٤) المسوح واحده مسح بالكسر ، وتفتح ، ثوب من الشعر غليظ (تاج العروس).
(٥) جأر الداعي رفع صوته بالدعاء ، وجأر الرجل إلى الله : تضرع بالدعاء وضجّ واستغاث.
(٦) انظر تاريخ الطبري ١ / ٣٧٦ والبداية والنهاية ١ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨.
(٧) انظر تاريخ الطبري ١ / ٣٧٦ والبداية والنهاية ١ / ٢٦٨ وتفسير القرطبي ١٥ / ١٣٠.