فغرق ، وجاء الذئب فاحتمل ابنه الآخر ، فأكله. فجاء يونس ، فوجد أحد ابنيه طافيا على الماء ، والآخر قد أكله الذئب ، فعلم أنها عقوبة ، فركب السفينة ليلحق بأهله ، فلمّا توسطت السفينة الماء أوحى الله إلى السفينة أن اركدي ، فركدت ، والسفن تمر يمينا وشمالا ، فقالوا : ما بال سفينتكم؟ قالوا : لا ندري. قال يونس : أنا أدري ، فيها عبد أبق من ربّه ، فلا تسير حتى تلقوه. قالوا : ومن هو؟ قال : أنا ، فقالوا : أمّا أنت فلسنا نلقيك والله ، ما نرجوا النجاة منها إلّا بك! قال : فاقترعوا ، فمن قرع فألقوه في الماء ، فاقترعوا ، فقرعهم يونس ، فأبوا أن يلقوه في الماء ، وقالوا : إن القرعة تخطئ وتصيب. فاقترعوا الثانية ، فقرعهم ، فقال لهم : ألقوني في الماء ، فأوحي إلى حوت كان يكون في بحر من وراء البحور أن يجيء حتى يحيط بسفينة يونس (١) ، فاخترق الحوت البحار ، فاستقبل سفينة يونس ، فأحاط بها ، وفغر فاه ، فأوحى الله إلى الحوت ألّا يخدش له لحما ، ولا يكسر له عظما ، فإنه نبيي وصفيي. وقال الحوت : يا رب ، جعلت بطني له مسكنا ، لأحفظنّه حفظ الوالدة ولدها. قال : واحتمل يونس إلى ناحية السفينة ليلقى في الماء ، فانصرف الحوت إليها ، فقال : انطلقوا بي إلى ناحية أخرى ، فانطلقوا به ، فإذا هم بالحوت ، ففعلوا مثل ذلك بجميع جوانب السفينة ، فقال : اقذفوني ، فقذفوا به ، فأخذه الحوت ، وهوى به إلى مسكنه من البحر ، ثم انطلق به إلى قرار الأرض ، فطاف به البحار أربعين يوما (٢) ، فسمع يونس تسبيح الجن ، وتسبيح الحيتان ، فجعل يسمع الحسّ ، ولا يرى ما هو ، فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت : يا يونس ، هذا تسبيح دوابّ البحر ، فجعل يسبّح ويهلّل ، وقال : سيّدي ، من الجبال أهبطتني ، وفي البلاد سيّرتني ، وفي الظلمات الثلاث سجنتني : ظلمة الليل ، وظلمة الماء ، وظلمة بطن الحوت (٣). إلهي ، عاقبتني بعقوبة لم تعاقبها أحدا قبلي.
__________________
(١) الذي في تاريخ الطبري والبداية والنهاية أنهم أبوا عليه لما شمر ، بعد ما قرع للمرة الثانية ، ليخلع ثيابه ويلقي نفسه ، فأعادوا القرعة للمرة الثالثة فوقعت عليه ، فكان أيضا من المدحضين ، فلما رأى ذلك ألقى نفسه في البحر.
(٢) قال ابن كثير : اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه ، فقال مجالد عن الشعبي التقطه ضحى ولفظه عشية ، وقال قتادة : مكث فيه ثلاثا ، وقال جعفر الصادق : سبعة أيام. البداية والنهاية ١ / ٢٦٩ وانظر تفسير القرطبي ١٥ / ١٢٣.
(٣) وقال سالم بن أبي الجعد : ابتلع الحوت حوت آخر فصار : ظلمة الحوتين مع ظلمة البحر ، وقال الماوردي : إنه يحتمل أن يعبر بالظلمات عن ظلمة الخطيئة وظلمة الشدة وظلمة الوحدة.