٥ ـ أهمية الكناية وجمالياتها :
الغرض من الكناية المبالغة والبعد عن المباشرة. والمبالغة في الصفة أو الصفات سبيل الى تثبيتها في نفوس المتلقّين. لذلك كانت الكناية عند الجاحظ أبلغ من التصريح. وهي أبلغ من الإفصاح عند عبد القاهر. فللكناية قيمة إبلاغية تقدّمها اللمحة الدالّة. فالشاعر والمبدع عندما يغطّيان المعنى الحقيقي بهذا الستار الشفّاف ، يدعوان المتلقّي إلى اكتشاف هذا المعنى المتواري وراء المعنى المجازي ، فيشعر بلذّة الكشف عنه وتفكيك عناصره والتدّرج في رصفها تمهيدا للوصول الى المعنى المقصود. فهناك حركة نفسية دائمة عند المتلقّي يستحضرها الخيال من تجاربه الخاصة ، ومن ثقافته وعادات مجتمعه ليصل الى المعنى المراد فيتقرّر المعنى ويتأكّد. والمهمّ في الكناية كمية الصور الذهنيّة التي يستحضرها المتلقّي تباعا كأنّها ومضات تتكثّف وتتراكم لتشكل في النهاية معنى ثابتا يطمئن إليه العقل ، ويتأثر به القلب. والكناية مظهر بلاغي راق لأنّها تقدّم الحقيقة مشفوعة بالأدلّة ، والمعقول متلبسا ثوب المحسوس. والكنايات تعبير عن الحياة الاجتماعية بأحاديث يومية راقية معبّرة عن ثقافة المجتمع وذوقه. مثال ذلك هذه الكنايات :
ـ ألقى عصاه ، كناية عن الإقامة وترك الترحّل.
ـ يحمل غصن الزيتون ، كناية عن دعوته للسّلام.
ـ عضّ أصابعه ، كناية عن النّدم.
ـ يمشي على بيض ، كناية عن البطء والتثاقل في المشي.
ـ قلع أسنانه ، كناية عن الحنكة ووفرة التجارب.
ـ بابه مفتوح ، كناية عن حسن الاستقبال والكرم ودماثة الخلق.
ـ ذمّته واسعة ، كناية عن تعطيل ضميره وإباحته المحرّمات وأكل الرزق الحرام.