بين الفصاحة والبلاغة
ألفاظ الأديب التي يستخدمها في فنّه هي نفسها تلك الألفاظ التي يستخدمها جميع الناس في كلامهم ، ويتحدثون بها ويكتبون ، لكنه يستطيع بهذه الأداة المألوفة حين يحسن التوفيق بين حروفها ، وتركيب ألفاظها ، واختيار الأصلح منها أن ينطق بالسحر الحلال ، الذي تقبله النفس ، وينشرح له الصدر ، ويمكنه بهذا أن يخرج فنا يفوق جميع الفنون ، ويسمو عليها.
وإذا صدر الكلام من المتحدث على تلك الصورة وصفه النقاد والبلاغيون بالفصاحة والبلاغة ، وقد شاع استعمالهما في كتب النقد والبلاغة ، وعرفهما العرب صنوين تستعملان معا ، أو تستعمل الواحدة مكان الأخرى (١).
وكان النقاد والبلاغيون الأوائل لا يفرقون بينهما. فالجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» يجعل الفصاحة والبلاغة والبيان مترادفات تدل على معنى واحد. أما أبو هلال العسكري فقد أورد فيهما رأيين :
الأول : «أن الفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد ، وإن اختلف أصلهما ، لأن كل واحد منهما إنما هو الإبانة عن المعنى والإظهار له» (٢).
والثاني يقول فيه : إن الفصاحة مقصورة على اللفظ ، والبلاغة مقصورة على المعنى : «ومن الدليل على أن الفصاحة تتضمن اللفظ ، والبلاغة تتضمن المعنى ، أن الببغاء يسمّى فصيحا ولا يسمى بليغا إذ هو مقيم الحروف وليس له قصد إلى المعنى الذي يؤديه ، وقد يجوز مع
__________________
(١). المعاني في ضوء أساليب القرآن ، د. عبد الفتاح لاشين ، ص ٥٩.
(٢). كتاب الصناعتين ، العسكري ص ١٣.