لم يكتف المعجم بتعريف البلاغة ، بل تعدّاه إلى شروط تحققها في الشكل والمضمون لتكون آسرة لعقل المخاطبين ، فاعلة في قلوبهم ، شاملة للمواقف الكلامية التي يقفها المتكلّمون. وأضاف معجم المصطلحات العربية إلى الشروط المتقدم ذكرها شرطا أهم بقوله «والذّوق وحده هو العمدة في الحكم على بلاغة الكلام» وهذا يعني أن تباين الأذواق يجعل الحكم على بلاغة الكلام أمرا نسبيا ، وتصبح البلاغة بلاغات.
١ ـ ٣ ـ حدّ البلاغة في كتب التراث :
روى الجاحظ تعريفات القدامى من شعراء وكتّاب عندما سئلوا عن مفهوم البلاغة. ومن هذه التعريفات نذكر ما يأتي :
١ ـ ٣ ـ ١ ـ تفسير ابن المقفّع (ت ١٤٣ ه):
وجاء فيه (١) «البلاغة : اسم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة ؛ فمنها ما يكون في السكوت ، ومنها ما يكون في الاستماع ، ومنها ما يكون في الإشارة ، ومنها ما يكون في الاحتجاج ، ومنها ما يكون جوابا ، ومنها ما يكون ابتداء ، ومنها ما يكون شعرا ، ومنها ما يكون سجعا وخطبا ، ومنها ما يكون رسائل. فعامّة ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها ، والإشارة إلى المعنى ، والإيجاز ، هو البلاغة».
لقد أحسن الجاحظ عند ما ذكر تفسير ابن المقفّع مستبعدا مصطلحي : الحدّ والتعريف ؛ لأن ابن المقفع اكتفى بتقديم صفات البلاغة المتمثّلة في الإيجاز ومراعاة المقام. ولكن من حقّنا أن نتساءل عن علاقة السكوت والاستماع بالبلاغة. فبأي معيار نقيس بلاغة
__________________
(١). الجاحظ ، البيان والتبيين ، تحق عبد السلام هارون ١ / ١١٥ ـ ١١٦.