تحمل الأرز إلى وعاء السمن يغمسونه بها ، ثم يخرجونه ويأكلونه هنيئا ، ويشربون بعد الطعام حليب النوق بوعاء كبير مريئا ، وكنت حملت ملعقة من الشام ، فأضاعها أحد رفقائنا في الطريق أيام ركوبنا في القطار ، فأهداني الشيخ سلطان الفقير شيخ عنزة ملعقة من نحاس ، وأخرى لآكل بإحداهما ، فإذا ضاعت أكلت بالثانية ، وأهديته بيت أقلام وفيه أقلام «مراسم» ، وورقا وظروفا. ثم أضاع إحدى الملعقتين رفيقنا ، ومنعني الأكل بالثانية ، وقال : لا يجوز أن تأكل بالملعقة بعد اليوم ، حتى نرجع من نجد ، قلت : ولما ذا؟ قال : أما العرب من أهل البادية فيظنون أنك جاسوس من قبل الإنكليز ، فضحكت كثيرا ، وقلت له : الأكل بالملاعق وغيرها عادة أكثر أهل الحضر ، وليست من خصائص الإنكليز ولا غيرهم من أمم الغرب ، وللجاسوس علائم وأمارات يعرف بها غير الأكل بالملعقة ، فأي ارتباط ومناسبة بين الأكل بالملعقة وهذه التهمة؟ قال : هم لا يفهمون غير هذا. قلت له : فهمنا حال البداوة ، فما بال الحضريين ينكرون؟ قال : أولئك يعدّون الأكل بغير الكف والأصابع بدعة. قلت : البدعة المذمومة في الشرع ، هي التي تحل محل السنة وتبطلها ، والسنن ما كانت من جنس المفروضات والواجبات ، كما ترى في سنن الوضوء والصلاة والصيام مثلا ، وما يظهر فيه معنى الذكر والعبادة ويتقرب به إلى الله عزوجل ، أما وسائل الطعام والشراب ، فليست من هذا الباب ، وهي تختلف باختلاف البلاد والعباد ، ألا ترى أن