أي بخلاف خمور الدنيا فإنها تغتال العقول وتوجب دوار الرأس وثقل الأعضاء ، ومن ثم لم يقدم الظرف في قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ)(١) لأنه لو قدم لاقتضى ثبوت الريب في سائر كتب الله تعالى ما عدا القرآن.
٢ ـ التنبيه ابتداء دون حاجة إلى تأمل في الكلام على أنه خبر لا نعت ، كقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)(٢) ، وقول أبي بكر ابن النطاح في وصف أبي دلف العجلي :
له همم لا منتهى لكبارها |
|
وهمته الصغرى أجلّ من الدهر |
له راحة لو أن معشار جودها |
|
على البرّ كان البرّ أندى من البحر |
٣ ـ التفاؤل بسماع ما يسرّ المخاطب ، نحو :
سعدت بغرة وجهك الأيام |
|
وتزينت بلقائك الأعوام |
٤ ـ التشويق (٣) إلى ذكر المسند اليه ، ويكثر ذلك في باب المدح ، كقول محمد ابن وهيب يمدح المعتصم :
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها |
|
شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر |
وفي باب الوعظ كقول أبي العلاء المعري :
وكالنار الحياة فمن رماد |
|
أواخرها وأولها دخان |
المبحث الرابع في تقديم متعلقات الفعل
الأصل في العامل أن يقدم على المعمول ، وقد يعكس ذلك فيقدم المفعول ونحوه من الجار والمجرور والظرف والحال لأغراض أهمها :
١ ـ رد الخطأ في التعيين كقولك : محمدا كلمت ، ردا على من اعتقد أنك كلمت إنسانا غير محمد ، وتقول لتأكيده : محمدا كلمت لا غيره. أو في ظن الاشتراك ، نحو : عليا رأيت ، أي وحده ، ردا على من اعتقد أنك رأيت عليا ومحمدا. ومن ثم لا يقال : ما محمدا كلمت ولا غيره ، لتناقض دلالتي الأول والثاني ،
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢.
(٢) سورة الأعراف الآية ٢٤.
(٣) اذا كان في المسند المتقدم طول يشوق النفس الى ذكر المسند اليه ، فيكون ذكره بعدئذ أوقع وأتم.