الباب التاسع في الخروج عن مقتضى الظاهر
ما مضى في الأبواب السالفة هي الأحوال التي يلاحظ فيها البليغ مقتضى ظاهر الحال ، وقد يعدل عنها لنكتة ، فعلى المخاطب أن يبحث عن سبب العدول مستعينا بالقرائن ، ويسمى ذلك : الخروج عن مقتضى الظاهر.
وقد سبق ذكر شيء من أحواله نبهناك عليه في حينه ، كتنزيل العالم منزلة الجاهل ، والمعقول منزلة المحسوس ، وقد بقي منه أمور أهمها (١) تجاهل العارف (مزج الشك باليقين) وهو إخراج ما يعرف صحته مخرج ما يشك فيه ليزداد تأكيدا ، والداعي اليه :
١ ـ إما المدح كقول ذي الرمة :
أبا ظبية الوعساء بين جلاجل |
|
وبين النقي آ أنت أم أم سالم (٢) |
وقول أبي هلال العسكري :
أثغر ما أرى أم أقحوان |
|
وقدّ ما أرى أم خيزران |
٢ ـ وإما الذم كقول زهير :
وما أدري وسوف إخال أدري |
|
أقوم آل حصن أم نساء |
٣ ـ وإما التعجب كقوله تعالى : (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ)(٣).
٤ ـ وإما التوبيخ كقول ليلى بنت طريف الخارجية في أخيها الوليد :
أيا شجر الخابور مالك مورقا |
|
كأنك لم تجزع على ابن طريف (٤) |
__________________
(١) سماه ابن رشيق في العمدة التشكيك وفائدته الدلالة على قرب الشبهين حتى لا يفرق بينهما ولا ينخفى ما له من حسن الروعة وجمال الموقع.
(٢) الوعساء ، وجلاجل ، والنقي ، مواضع.
(٣) سورة الطور الاية ١٥.
(٤) الخابور نهر بديار بكر يصب في الفرات.