علم البيان
البيان لغة الكشف والايضاح ، يقال : فلان أبين من فلان ، أي أوضح منه كلاما واصطلاحا ـ علم يستطاع بمعرفته إبراز المعنى الواحد في صور مختلفة ، وتراكيب متفاوتة في وضوح الدلالة ، مع مطابقة كل منها مقتضى الحال.
وتقييد الاختلاف بالوضوح لتخرج الألفاظ المترادفة كليث وأسد وغضنفر ، فإنها وإن كانت طرقا مختلفة لإيراد المعنى الواحد ، فاختلافهما إنما هو في اللفظ والعبارة ، لا في الوضوح والخفاء.
واللام في المعنى الواحد للاستغراق العرفي ، أي كل معنى يدخل تحت قصد المتكلم وإرادته ، فلو عرف أحد إيراد معنى واحد ، كقولنا : علي جواد ، بطرق مختلفة لم يكن بذاك عارفا بالبيان.
إيضاح هذا التعريف ، أن الضليع بهذا الفن ، اذا حاول التعبير عما يختلج في صدره من المعاني وجد السبيل ممهدا ، فيختار ما هو أليق بمقصده وأشبه بمطلبه من فنون القول وأساليب الكلام ، فإذا حث همة الشجعان على اقتحام غمار الوغى بهرهم بساحر بيانه وعظيم إحسانه ، فإن شاء شبههم بأسود خفان ، فقال : كأنكم أسود لها في غيل خفّان (١) أشبل ، وإن شاء استعار ، وقال : إني أرى هنا أسودا تتحفز للكر والفر وتثب لاقتناص فرائسها ولها قرم (٢) الى الأخذ بنواصيها وحز رؤسها ، وإن أراد كنى عن مقصده وروى عن مراده فقال : البسوا لعدوكم جلد النمر (٣) واقلبوا له ظهر المجن فإنه قد ورم أنفه عليكم وداسكم تحت أقدامه.
__________________
(١) مأسدة مشهورة بضراوة أسدها.
(٢) شهوة الطعام.
(٣) كناية عن إظهار العداوة ، ومثله ما بعده.