فقد شبه في البيت الأول صدغ الحبيب (وهو الشعر البادي من الرأس فيما بين الأذن والعين) وحاله بالليالي ، وشبه في البيت الثاني ثغر الحبيب (وهو مقدم أسنانه) ودموعه باللآليء في القدر والصفاء والإشراق.
٢ ـ وإن كان المشبه به سمي تشبيه الجمع كقول البحتري :
بات نديما لي حتى الصباح |
|
أغيد مجدول مكان الوشاح |
كأنما يبسم عن لؤلؤ |
|
منضد أو برد أو أقاح |
المبحث الخامس في وجه الشبه
وجه الشبه هو الوصف الخاص (١) الذي قصد اشتراك الطرفين فيه ، فقولك : علي كالأسد ، ووجه سعدى كالشمس ـ الوجه في الأول الجرأة والإقدام وشدة البطش المشهورة في الأسد ، وفي الثاني الحسن والبهاء الثابتان للشمس.
فمن أراد أن يشبه حركة أو هيئة بغيرها فعليه أن يتطلب أمرا يشترك فيه الطرفان ، كما فعل ابن المعتز حين يقول :
وكأن البرق مصحف قار |
|
فانطباقا مرة وانفتاحا (٢) |
فهو لم ينظر الى جميع صفات البرق ، بل نظر الى انبساط يعقبه انقباض ، وانتشار يتلوه انضمام ، فشبه ذلك بمصحف ، القارىء يفتحه مرة ، ويطبقه مرة أخرى.
ومما ذكر تعلم أن قولهم : «النحو في الكلام كالملح في الطعام» يريدون به أن الكلام لا ينتفع به إلا بمراعاة أحكام النحو فيه ، كما لا ينتفع بالطعام ما لم يصلح بالملح ، إلا أن القليل من النحو مفيد والكثير مفسد ، كما يفسد الملح الطعام ، اذا كثر فيه ، إذ لا تتصور زيادة ولا نقصان في جريان أحكامه في الكلام ، لأنه إن استوفى احكامه من رفع الفاعل ونصب المفعول ونحو ذلك ، فقد وجد النحو وانتفى الفساد وانتفع به في فهم المراد وإلا لم يوجد وكان
__________________
(١) قال ابن رشيق في «العمدة» : التشبيه صفة الشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة أو جهات كثيرة لا من جميع جهاته ، لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه ، ألا ترى أن قولهم : فلان كالبحر ، إنما يريدون كالبحر سماحة وعلما ، ولا يريدون ملوحة البحر وزعوقته. انتهى.
(٢) قار أصله قارىء حذفت منه الهمزة بعد قلبها ياء ، ثم أعلى إعلال قاض.