لكن ، بعد التأمل ، يظهر أن مقصد الشاعر أن يثبت ابتداء مطمعا متصلا بانتهاء مؤيس ، وذلك يتوقف على البيت كله.
وهذا بخلاف التشبيهات المجتمعة في نحو : محمد كالأسد ، والسيف والبحر ، فإن المقصد فيها التشبيه بكل واحد على حدته ، حتى لو حذف بعضها ، لا يتغير الباقي في إفادة معناه ، بخلاف المركب ، فإن المقصود يختل باسقاط بعض الأمور ، كما أنه لو قدم بعضها وأخر بعضها الآخر لا يتغير المعنى ، إذ ليس لهذه التشبيهات نسق مخصوص ، ولا ترتيب معين (١) بخلاف المركب.
والمتعدد الحسي : كالموت والطعم والرائحة ، في تشبيه النبق الكبير بالتفاح في هذه الأمور الثلاثة.
والمتعدد العقلي : كحدة النظر وكمال الحذر وإخفاء السفاد ، عند تشبيه طائر بالغراب ، فيما ذكر.
والمتعدد المختلف ، كحسن الطلعة ونباهة الشأن عند تشبيه إنسان بالشمس ، واعلم أنه قد ينتزع التشبه من نفس التضاد لاشتراك الضدين فيه ، فينزل التضاد منزلة التناسب ، فيشبه أحد الضدين بالآخر ، للتلميح والظرافة ، أو للتهكم والاستهزاء ، كما يشبه بخيل بحاتم ، وعي بقس في الفصاحة ، كما قال الإمام المرزوقي ، وفي قول شقيق الأسدي :
أتاني من أبي أنس وعيد |
|
فسل لغيظه الضحاك جسمي (٢) |
إن قائل هذا البيت قصد به الاستهزاء والتلميح بما يستظرفه السامعون.
المبحث السادس في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه الى تمثيل وغيره
التمثيل تشبيه وجه منتزع من متعدد أمرين ، أو أمور ، كقوله :
وكأن النجوم والليل داج |
|
نقش عاج يلوح في سقف ساج (٣) |
__________________
(١) فقد ظهر من هذا أن التشبيهات المجتمعة تفارق التشبيه المركب في أمرين : الأول أنه لا يجب فيها ترتيب خاص ، والثاني أنه اذا حذف بعضها لا يتغير حال الباقي في إفادة ما كان يفيده قبل الحذف.
(٢) الوعيد التخويف ، وسل ذاب ، وهو بصيغة المبني للمجهول ، والضحاك هو أبو أنس ، وهو بالجر بدل من الهاء ، ففيه إظهار في موضع الاضمار زيادة الاستهزاء لذكره باسمه العلم.
(٣) الساج : شجر ينبت ببلاد الهند.