الباب الثاني في الحقيقة والمجاز
وفيه عشرون مبحثا وتتمة
المبحث الأول في أقسام الحقيقة
الحقيقة التي نبحث عنها هنا (١) ضربان : حقيقة من طريق اللغة ، وحقيقة من ناحية المعنى والمعقول ـ بيان هذا أنا إذا وصفنا كلمة مفردة بكونها حقيقة ، كما إذا أطلقنا السبع على الحيوان المعروف ، واليد على الجارحة المخصوصة ، كان ذلك الاطلاق حكما آتيا من ناحية اللغة ، ألا ترى أنا نقول : إن المتكلم استعمل الكلمة فيما وضعت له ابتداء في اللغة ، وإذا وصفنا بالحقيقة الجملة من الكلام كان ذلك الوصف آتيا من جانب المعقول دون اللغة ، لأن الأوصاف اللاحقة للجمل من حيث إنها جمل لا يصح ردها الى اللغة ، ولا وجه لنسبتها الى واضعها ، لأن التأليف هو إسناد فعل الى اسم ، أو اسم الى اسم ، وذاك شيء يحصل بقصد المتكلم ، فمثلا كتب لا يصير خبرا عن محمد في قولك محمد كتب بوضع اللغة ، بل بمن قصد إثبات الكتابة فعلا له ، كذا في «أسرار البلاغة» بتصرف.
المبحث الثاني في تعريف الحقيقة
الحقيقة في اللغة فعيل بمعنى فاعل من حق الشيء اذا ثبت ، أو بمعنى مفعول من حققت الشيء إذا أثبته ، ثم نقل الى الكلمة الثابتة أو المثبتة في مكانها الأصلي والتاء فيها للنقل من الوصفية الى الاسمية.
وقد علمت مما سبق أن الحقيقة التي نبحث عنها ضربان : حقيقة لغوية ، وحقيقة عقلية.
__________________
(١) أما بقية أنواع الحقائق فلا يهم علماء الفصاحة البحث عنها.