٨ ـ ألما على معن وقولا لقبره |
|
سقتك الغوادي مربعا بعد مربع (١) |
٩ ـ قال الحطيئة :
ندمت على لسان كان مني |
|
فليت بأنه في جوف عكم |
المبحث الخامس في الاستعارة ومنزلها في البلاغة
قال الإمام في «أسرار البلاغة» : اعلم أن الاستعارة أمد ميدانا وأشد افتنانا وأوسع سعة وأبعد غورا وأذهب نجدا في الصناعة وغورا (٢) من أن تجمع شعبها وشعوبها وتحصر فنونها وضروبها ، ومن خصائصها أنها تعطيك الكثير من المعاني حتى تخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر وتجني من الغصن الواحد أنواعا من الثمر ، وتجد التشبيهات على الجملة غير معجبة ما لم تكنها ، إن شئت أرتك المعاني التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون ، وإن شئت لطفت الأوصاف الجسمانية حتى تعود روحانية لا تنالها الظنون ، انتهى.
وللاستعارة إطلاقان :
١ ـ المعنى المصدري ، وهو فعل المتكلم ، أعني استعمال لفظ المشبه به في المشبه بقرينة صارفة عن الحقيقة.
وأركانها بهذا المعنى ثلاثة : مستعار وهو اللفظ ، ومستعار منه وهو المشبه به ومستعار له وهو المشبه.
٢ ـ المعنى الاسمى ، وهو اللفظ المستعمل في غير المعنى الموضوع له لمناسبة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه مع قرينة تصرف عن إرادة المعنى الأصلي ، كقولك : رأيت أسدا ، تعني رجلا شجاعا ، وبحرا تريد جوادا ، وشمسا تريد إنسانا مضيء الوجه متهللا ، وسللت سيفا على العدو تقصد رجلا ماضيا في نصرتك.
فأنت بهذا قد استعرت اسم الأسد للرجل الشجاع ، فأفدت بهذه الاستعارة المبالغة في وصفه بالشجاعة وإيقاعك منه في نفس السامع صورة الأسد في بطشه وإقدامه وشدته ، الى غير ذلك من المعاني المركوزة في طبيعته الدالة على الجرأة ،
__________________
(١) الغوادي جمع غادية ، السحابة تنشأ غدوة ، والمربع : المطر في الربيع.
(٢) الغور الأول : القعر ، والثاني : الوادي.