المبحث السادس في الاستعارة
أمجاز لغوي هي أم مجاز عقلي
يرى الجمهور أن الاستعارة مجاز لغوي وأيده الإمام في «أسرار البلاغة» ، وحجتهم على ذلك أنا إذا أجرينا اسم الأسد على الرجل الشجاع ، فإننا لا ندعي فله صورة الأسد وشكله وعبالة عنقه ومخالبه ، ونحو ذلك من الأوصاف الظاهرة التي تبدو للعيون وتشاهد بالحواس ، وإنما ندعي له ذلك من أجل اختصاصه بالشجاعة التي هي من أخص أوصاف الأسد وأمكنها.
ومن الجلي الواضح أن اللغة لم تضع الاسم لها وحدها ، بل لها في مثل تلك الجثة وهاتيك الصورة والهيئة ، ولو كانت وضعته للشجاعة وحدها لكان صفة لا اسما ، ولكان كل شيء يبلغ في شجاعته الى هذا الحد جديرا بهذا الاسم على جهة الحقيقة ، لا على طريق التشبيه والتأويل.
ويرى آخرون أنها مجاز عقلي بمعنى أن التصرف (١) فيها في أمر عقلي لا لغوي واختاره الإمام في «دلائل الإعجاز» ودليلهم على ذلك أنها لا تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به ، لأن نقل الاسم وحده لو كان استعارة لكانت الأعلام المنقولة كيزيد ويشكر تستحق هذا الاسم ، ولما كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة ، لأنه لا بلاغة في إطلاق الاسم المجرد عاريا عن معناه.
وإذا كان نقل الاسم تبعا لنقل المعنى كان مستعملا فيما وضع له ، ومن ثم صح التعجب في قول ابن العميد (٢) يصف غلاما له جميلا :
قامت تظللني من الشمس |
|
نفس أعز عليّ من نفسي |
قامت تظللني ومن عجب |
|
شمس تظللني من الشمس |
كما صح النهي عنه في قول الحسن بن طباطبا :
__________________
(١) في هذا إشارة الى أنه لا يراد بالعقل هنا المجاز العقلي الآتي ، إذ هنا المجاز في الكلمة ، وفيما سيأتي المجاز في الاسناد ، بل المراد بالعقلي المتصرف فيه هو المعاني الحقيقية والتصرف فيها جعل بعضها نفس البعض الآخر ، وإن لم يكن كذلك في الحقيقة.
(٢) هو أبو الفضل محمد بن الحسين كاتب «ديوان الرسائل» للملك نوح بن نصر من الدولة البويهية.