كما هي عادتهم في تشبيه الجواد بالبحر الخضم طورا ، وبالسحاب الهطال طورا آخر ، وتخيل لما أراد ، فذكر أن هناك صاعقة وبيّن أنها من نصل سيفه ، ثم قال إنها على رؤوس الأقران تفتك بهم ، ثم قال : خمس ، وهي عدد أنامل اليد ، فاستبان للسامع من كل هذا غرضه ، واتضح له مقصده.
المبحث الثامن في انقسام الاستعارة الى عنادية ووفاقية
تنقسم الاستعارة باعتبار الطرفين الى قسمين :
١ ـ وفاقية ، وهي التي يمكن اجتماع طرفيها المستعار منه والمستعار له في شيء واحد ، وسميت بذلك لما بين طرفيها من الوفاق.
٢ ـ عنادية ، وهي التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد ، وسميت بذلك لتعاند الطرفين ، وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(١) أي من كان ضالا فهديناه ، استعير الإحياء من معناه الحقيقي وهو جعل الشيء حيا للهداية التي هي الدلالة على الطريق الموصل الى المطلوب ، والاحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما إذ لا يوصف الميت بالضلال.
ومن العنادية الاستعارة التهكمية والتمليحية (٢) ، وهما ما نزل فيهما التضاد منزلة التناسب لأجل التهكم والاستهزاء ، أو لأجل الملاحة والظرافة ، نحو : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٣) استعيرت للبشارة ، وهي الخبر بما يسر للإنذار الذي هو ضدها بإدخاله في جنس البشارة هزؤ وسخرية بهم ، ونظيره كلمة نعاتبه في قول بشار :
إذ الملك الجبار صعر خده |
|
أتينا اليه بالسيوف نعاتبه (٤) |
والتحية في قول عمرو بن معد يكرب (تحية بينهم ضرب وجيع) والثواب في قولهم ما ثوابه إلا السيف.
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ١٢٢.
(٢) الفارق بينهما أنه إن كان الغرض الحامل على استعمال اللفظ في ضد معناه الهزؤ والسخرية بالمقول فيه كانت تهكمية وإن كان الغرض بسط السامعين وإزالة السآمة عنهم بواسطة الاتيان بشيء مستملح مستظرف كانت تمليحية.
(٣) سورة الانشقاق الآية ٢٤.
(٤) صعر خده : أماله عن الناس كبرا.