الإعجاز لثقله وبطء سيره ، وبالغ في ذلك حتى جعل بعضها يردف بعضا ، ثم ثلث فاستعار الكلكل لمعظم الليل ووسطه آخذا له من كلكل البعير وهو ما يعتمد عليه إذا برك ، وزاده مبالغة بأن جعله ينوء ويثقل ، لما في الليل من التعب والنصب على كل قلب ساهر ، وبذا تم له ما أراد من تصوير الليل بصورة البعير على أبلغ وجه وأدقه.
المبحث الحادي عشر في انقسامها باعتبار الطرفين والجامع
تنقسم الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع الى ستة (١) أقسام :
١ ـ استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي ، نحو : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ)(٢) يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) استعير الموجان وهو حركة الماء للاضطراب والاختلاط الناشئين عن الحيرة والجامع بينهما الحركة الشديدة والاضطراب.
٢ ـ استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقلي ، نحو : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)(٣) فالمستعار منه كشط الجلد وإزالته عن الشاة ونحوها ، والمستعار له إزالة الضوء عن ظلمة الليل وملقى ظله وهما حسيان ، والجامع بينهما ما يعقل من ترتب أمر على آخر كترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وإزالته وترتب ظهور الظلمة على كشف الضوء (٤) عن مكان الليل ، وهذا الترتب أمر عقلي.
٣ ـ استعارة محسوس لمحسوس والجامع مختلف بعضه حسي وبعضه عقلي ، كما تقول : رأيت شمسا ، وأنت تريد إنسانا كالشمس في حسن الطلعة ، وهو حسي ، ونباهة الشأن ورفعة القدر ، وهي عقلية.
٤ ـ استعارة معقول لمعقول ، نحو : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)(٥).
__________________
(١) لأن المستعار منه والمستعار له إما حسيان أو عقليان أو المستعار منه حسي والمستعار له عقلي أو بالعكس فتصير أربعة ، والجامع في الثلاثة عقلي لا غير لما نقدم في التشبيه وفي القسم الأول ، إما حسي أو عقلي أو مختلف ، فهذه أقسام ستة.
(٢) الضمير يعود للانس والجن.
(٣) سورة يس الآية ٣٧.
(٤) لأن الظلمة هي الأصل والنور طارىء عليها يسترها ، فعند غروب الشمس يسلخ النهار من الليل وكأنه يكشط ويزال كما يكشط عن الشيء الشيء الطارىء عليه الساتر له.
(٥) سورة يس الآية ٥٢.