ثانيها ـ إنما سميت الاستعارة في القسم الثاني تبعية لأنها تابعة لاستعارة أخرى إذ هي في المشتقات تابعة لجريانها في المصدر أولا ، كما أن معاني الحروف جزئية لا تتصور الاستعارة فيها إلا بواسطة كلي مستقل بالمفهومية ليتأتي كونها مشبها ومشبها بها فلا بد من إجراء التشبيه أولا في متعلق معاني الحروف ، ثم تتبعها الاستعارة في المعاني الجزئية.
ثالثها ـ قال السكاكي : لو لم يجعلوا في الفعل والحرف استعارة تبعية بل جعلوا في مدخولهما استعارة مكنية بقرينتهما كما فعلوا في : أنشبت المنية أظفارها ، لكان أقرب للضبط.
المبحث السادس عشر في تقسيمها الى مرشحة ومجردة ومطلقة
تنقسم الاستعارة باعتبار اقترانها بما يلائم المستعار منه أو المستعار له أو عدم اقترانها بما يلائم أحدهما الى ثلاثة أقسام ، مرشحة ومجردة ومطلقة :
١ ـ فالمرشحة هي التي تقترن بما يلائم المستعار منه ، كما تقول : رأيت في الميدان أسدا دامي الأنياب طويل البراثن ، وكما قال كثير عزة :
رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر |
|
ظواهر جلدي وهو للقب جارح (١) |
فقد استعار السهم للنظر يجامع التأثير في كل ثم رشح الاستعارة بذكر الريش الملائم للسهم ، وكما قال ابن هانىء المغربي :
وجنيتم ثمر الوقائع يانعا |
|
بالنصر من ورق الحديد الأخضر |
٢ ـ والمجردة هي التي تقترن بما يلائم المستعار له كما تقول : رأيت أسدا في حومة الوغى يجندل الأبطال بنصله ويشك الفرسان برمحه ، وكما قال كثير يمدح عمر ابن عبد العزيز :
غمر الرداء اذا تبسم ضاحكا |
|
غلقت لضحكته رقاب الملل (٢) |
__________________
(١) المعنى : أنها رمته بسهم نظرها الفاتك الذي ريشه الكحل ، فجرحت قلبه ، ولم تضر ظواهر جلده.
(٢) يريد أنه كثير العطاء سخي ، والمعنى أنه اذا ضحك وسر وهب ماله وفرقه وعنى برقاب الأموال أنفسها ، وعبر عنها بالرقاب كقولهم : أعتق رقبة ، أي عبدا.