المقدّمة
حمدا لك اللهم ، بك المعونة والتوفيق ، ومنك الهداية لأقوم طريق ، اذا أظلمت الشبهات ، في دجنة الخطوب المدلهمات ، وبفضلك نطلب يقينا يملأ الصدر ، ويستولي على زمام القلب ، ويكبت سورة النفس ، فيردها عن غيها ، ويكبح جماح شهواتها ، فإنك الملجأ والنصير والمعين ، وصلاة وسلاما على محمد عبدك ورسولك الذي آتيته الحكمة وفصل الخطاب ، وعصمته من الخطأ وألهمته الصواب ، ومننت عليه بفضيلة البيان ، ففند بقاطع حجته قول من عارضه من أهل الزور والبهتان.
وبعد ـ فإن موضع علوم البيان من علوم العربية ، موضع الرأس من الإنسان ، او اليتيمة من قلائد العقيان ، فهي مستودع سرها ، ومظهر جلالها ، فلا فضيلة لكلام على كلام ، إلا بما يحويه من لطائفها ، ويودع فيه من مزاياها وخصائصها ، ولا تبريز لمتكلم على آخر ، إلا بما يحوكه من وشيها ، ويلفظه من درها ، وينفثه من سحرها ، ويجنيه من يانع ثمرها.
إلى أن بها نعرف وجه إعجاز القرآن ، وندرك ما فيه من خصائص البيان ، ونفهم براعة أسلوبه ، وانسجام تأليفه ، وسهولة نظمه وسلامته ، وعذوبته وجزالته ، الى أمثال تلك المحاسن التي أسالت على العرب الوادي عجزا ، حتى حارت عقولهم ، وقصرت عن بلوغ شأوه جهابذتهم وفحولهم ، حتى اضطر ذلكم المتكبر الجاحد ، والصلف المعاند ، الوليد بن المغيرة ، أن يقول فيه مقالته المأثورة : «والله إن لكلامه لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمورق ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ، وما هو بقول البشر» فالجاهل بأسرارها ،