الباب الثالث في الكناية
وفيه أربعة مباحث وخاتمة
المبحث الأول في تعريفها
الكناية لغة أن تتكلم بشيء وتريد غيره ، وقد كنوت بكذا عن كذا ، أو كنيت اذا تركت التصريح به ، أنشد الجوهري :
وإني لأكنو عن قذور بغيرها |
|
وأعرب أحيانا بها وأصارح |
وفي الاصطلاح تطلق على معنيين :
١ ـ المعنى المصدري الذي هو فعل المتكلم ، أعني ذكر اللفظ الذي يراد به لازم معناه مع جواز إرادته (١) معه.
٢ ـ اللفظ المستعمل فيما وضع له ، لكن لا ليكون مقصودا بالذات ، بل لينتقل منه الى لازمه المقصود لما بينها من العلاقة واللزوم العرفي ، وعلى هذا التعريف فهي حقيقة لاستعمال اللفظ فيما وضع له ، لكن لا لذاته ، بل لينتقل منه الى لازمه فمعناه مراد لغيره مع استعمال اللفظ فيما وضع له ، واللازم مراد لذاته ، لا مع استعمال اللفظ فيه ، فهو مناط الإثبات والنفي والصدق والكذب (٢).
تفسير هذا أن العرب تلفظ أحيانا بلفظ لا تريد منه معناه الذي يدل عليه بالوضع ، بل تريد منه ما هو لازم له في الوجود بحيث اذا تحقق الأول تحقق الثاني عرفا وعادة ، فنقول : فلان رحب الصدر ، ونقصد أنه حليم من قبل أن الحليم يكون ذا أناة وتؤدة ولا يجد الغضب اليه سبيلا ، لما في صدره من السعة لاحتمال
__________________
(١) أي مع جواز إرادة المعنى الحقيقي مع اللازم كما ستعلم بعد.
(٢) فقولك : فلان طويل النجاد تريد طول القامة يكون الكلام صحيحا وإن لم يكن له نجاد قط بل قد يستحيل المعنى الحقيقي كما سيأتي.