كثير من الحفائظ والأضغان كما يحتمل الصندوق الواسع كثيرا من المتاع والماعون ، وتقول : فلانة تؤوم الضحى ، وتقصد أنها مترفة مخدومة لها من يكفيها أمرها من الخدم والحشم ، فهم يقومون بتدبير شؤون المنزل ، وقضاء الحوائج البيتية ، فلا تحتاج الى القيام مبكرة من النوم فأولئك قد كفوها مؤونة التعب والنصب.
(الفرق بينها وبين المجاز) مما سلف تعلم الفرق بين الكناية والمجاز هو أن الأولى لا يمتنع معها إرادة المعنى الأصلي ، فيسوغ في المثالين المتقدمين أن تريد أنه واسع الصدر حقيقة وأنها تنام حقا الى وقت الضحى ، وقد تمتنع إرادة المعنى الأصلي فيها أحيانا لخصوص الموضوع ، نحو : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(١) كناية عن الاستيلاء والملك ، (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(٢) كناية عن قوة التمكن وتمام القدرة ، الى غير ذلك (٣).
أما قرينة المجاز فتمنع من إرادة المعنى الأصلي ، فلا يسوغ إرادة الأسد المفترس في قولك : رأيت أسدا في الميدان يضرب يمينا وشمالا.
المبحث الثاني في أقسامها من حيث المكنى عنه
تنقسم الكناية من حيث المكنى عنه الى ثلاثة أقسام :
١ ـ كناية يطلب بها صفة من الصفات كالجود والكرم ودماثة الأخلاق ، الى غير ذلك ، وهي ضربان :
(أ) قرينة ، وهي ما ينتقل منها إلى المطلوب بها بلا واسطة سواء أكانت واضحة كقولهم كناية عن طويل القامة طويل النجاد (٤) ، وقول الحماسي :
أبت الروادف والثدى لقمصها |
|
مسّ البطون وأن تمسّ ظهورا |
كنى عن كبر الإعجاز ونهود الثدى بارتفاع القميص عن أن يمس بطنا أو ظهرا.
__________________
(١) سورة طه الآية ٥.
(٢) سورة الزمر الآية ٦٧.
(٣) فهذان ونحوهما كنايات من غير لزوم كذب لأن استعمال اللفظ في معناه الحقيقي وطلب دلالته عليه إنما هو لقصد الانتقال منه الى لازمه المراد.
(٤) النجاد : حمائل السيف ، وقد اشتهر استعمال طويل النجاد في طويل القامة.