وما ذاك إلا من سوء تأليفها وقبح تركيبها ، وقد أجاد الشريف فيما زلت فيه قدم أبي الطيب فجاء به على وصف حسن وقالب عجيب حيث قال :
أحن الى ما يضمن الخمر والحلى |
|
وأصدف عما في ضمان المآزر |
وقريب من بيت المتنبي قول الآخر :
وما نلت منها محرما غير أنني |
|
اذا هي بالت بلت حيث تبول |
خاتمة
اتفقت كلمة البلغاء على :
١ ـ أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح ، لأن الانتقال فيهما من الملزوم الى اللازم فهو كدعوى الشيء ببينة.
٢ ـ وعلى أن الاستعارة أبلغ من التشبيه ، ومن المجاز المرسل ، لما فيهما من دعوى الاتحاد ، وأن أبلغ أنواعها الاستعارة التمثيلية ، ثم المكنية ، لاشتمالها على المجاز العقلي الذي هو قرينتها.
٣ ـ وعلى أن الاستعارة سواء أكانت تمثيلية أم مكنية أم غيرهما ، أبلغ من الكناية ، لأنها كالجامعة بين كناية واستعارة.
وليس معنى الأبلغية في كلا من هذه الأمور يفيد زيادة في المعنى نفسه لا يفيدها خلافه ، بل المراد زيادة التأكيد في الاثبات.
قال الإمام عبد القاهر : فليست فضيلة قولنا رأيت أسدا على قولنا رأيت رجلا لا يتميز عن الأسد في جرأته وشجاعته ، أن الأول أفاد زيادة في مساواته للأسد في الشجاعة لم يفدها الثاني ، بل هي أن الأول أفاد تأكيدا لإثبات تلك المساواة له لم يفده الثاني ، وسر هذه المزية والفخامة أنك اذا قلت : رأيت أسدا كنت قد تلطفت لما أردت إثباته له من فرط الشجاعة حتى جعلتها كالشيء الذي يجب له الثبوت والحصول ، وكالأمر الذي نصب له دليل يقطع بوجوده ، وذلك أنه اذا كان أسدا فواجب أن تكون له تلك الشجاعة العظيمة ، وكالمستحيل والممتنع أن يعرى عنها واذا صرحت بالتشبيه فقلت : رأيت رجلا كالأسد ، كنت قد أثبتها إثبات الشيء يترجع بين أن يكون وألا يكون ، ولم يكن من حديث الوجوب في شيء.