فإن اللطف يناسب ما لا يدرك بالبصر ، والخبرة تناسب من يدرك شيئا ، لأن الخبير من له علم بالخفيات ، ومن جملة الخفيات بل الظواهر الأبصار فيدركها.
ويلحق بها ما يسمى إيهام التناسب ، وهو الجمع بين معنيين غير متناسبين بلفظ يكون لهما معنيان متناسبان ، وإن لم يكونا مقصودين هنا ، كقوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(١) ، فالنجم هنا النبات الذي لا ساق له كالبقول وهو أن لم يكن مناسبا للشمس والقمر يوهم نجم السماء وهو مناسب لهما.
الارصاد ـ التسهيم
الارصاد لغة نصب الرقيب في الطريق والتسهيم جعل البرد ذا خطوط كأنها فيه سهام واصطلاحا أن يجعل قبل آخر الفقرة أو البيت ما يفهمها عند معرفة الروي ، كقوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(٢) ، وقول البحتري :
أحلت دمي غير جرم وحرّمت |
|
بلا سبب يوم اللقاء كلامي |
فليس الذي حللته بمحلل |
|
وليس الذي حرمته بحرام |
فالسامع اذا وقف على قوله تعالى : (وَهَلْ نُجازِي ،) بعد الاحاطة بما تقدم علم أنه ليس (إِلَّا الْكَفُورَ) ، والحاذق بمعاني الشعر وتأليفه يعلم بعد أن عرف البيت الأول وصدر الثاني في بيتي البحتري أن ليس عجزه إلا ما قاله.
المشاكلة
هي لغة المماثلة واصطلاحا ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا ، فالأول كقوله عز وعلا : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٣) ، إذ الجزاء على السيئة ليس بسيئة في الحقيقة لكنه سمي سيئة للمشاكلة اللفظية ، وقوله عليهالسلام : «إن الله لا يملّ حتى تملوا» (٤) ، فقد وضع : لا يمل ، موضع : لا يقطع عنكم ثوابه.
__________________
(١) سورة الرحمن الآيتان ٦ و ٧.
(٢) سورة سبأ الآية ١٧.
(٣) سورة الشورى الآية ٤٠.
(٤) المعنى إن الله لا يقطع عنكم نعمه وفضله حتى تملوا عن مسألته.