(تنبيهان) الأول ـ قال أبو علي الفارسي في سر تسمية هذا النوع بهذا الاسم أن العرب تعتقد أن في الإنسان معنى كامنا فيه كأنه حقيقته ومحصوله ، فتخرج ذلك المعنى الى ألفاظها مجردا عن الإنسان كأنه غيره وهو هو بعينه ، كقولهم : لئن لقيت فلانا لتلقين به الأسد ولئن سألته لتسألن منه البحر ، وهو عينه الأسد والبحر إلا أن هناك شيئا منفصلا عنه أو متميزا منه.
ثم قال : وعلى هذا النمط كون الإنسان يخاطب نفسه حتى كأنه يقاول غيره ، كما فعل الأعشى في قوله : «ودع هريرة إن الركب مرتحل»
الثاني ـ لهذا الضرب من الكلام فائدتان :
إحداهما : التمكن من إجراء الأوصاف المقصودة من مدح أو غيره لأنه موجه خطابه الى غيره فيكون أعذر وأبرأ من العهدة فيما يقول.
ثانيتهما : طلب التوسع في الكلام ، وذا من مزايا اللغة العربية.
المبالغة ـ آراء العلماء فيها ـ أقسامها
هي ادعاء (١) بلوغ وصف في الشدة أو في الضعف حدا مستحيلا أو بعيدا آراء العلماء فيها : للعلماء في المبالغة ثلاثة آراء :
١ ـ الرفض مطلقا ، وحجتهم أن خير الكلام ما خرج مخرج الحق وجاء على منهاج الصدق من غير إفراط ولا تفريط ، كما قال حسان :
وإنما الشعر لبّ المرء يعرضه |
|
على المجالس إن كيسا وإن حمقا |
فإن أشعر بيت أنت قائله |
|
بيت يقال اذا أنشدته صدقا |
٢ ـ القبول مطلقا ، وحجة أولئك أن خير الشعر أكذبه ، وأفضل الكلام ما بولغ فيه.
٣ ـ التوسط بين الأمرين ، فتقبل مع الحسن إذا جرت على منهج الاعتدال ، وهذا رأي جمهرة العلماء ، ودليل ذلك وقوعها في التنزيل على ضروب مختلفة ،
__________________
(١) إنما يدعي ذلك خوفا من أن يظن أن ذلك الوصف غير متناه في الشدة أو الضعف ، بل هو متوسط أو دون المتوسط.