فلا شك أن سكره على هذه الصفة محال ، لكن حسّنه الهزل لمجرد سرور المجالس ومضاحكته ، والمردود ما جرى من الاعتبارات المتقدمة كقول أبي نواس يمدح هارون الرشيد :
وأخفت أهل الشرك حتى إنه |
|
لتخافك النّطف التي لم تخلق |
وقول أبي الطيب :
كأني دحوت الأرض من خبرتي بها |
|
كأني بنى الاسكندر السد من عزمي |
شبه نفسه بالخالق جل وعلا في دحوه الأرض ، ثم فجأة نزل الى الحضيض فشبه نفسه بالاسكندر.
المذهب الكلامي (١)
هو أن يأتي البليغ على صحة دعواه وإبطال دعوى خصمه بحجة عقلية قاطعة تصح نسبتها الى علم الكلام.
ولم يستشهد على هذا النوع بأعظم من شواهد القرآن ، فمن لطيف ذلك قوله عز وعلا : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(٢) ، إذ تمام الدليل : لكنهما لم تفسدا فليس فيهما آلهة غير الله.
وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليهالسلام : (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ)(٣) لأن تحليل القياس : القمر آفل وربي ليس بآفل فالقمر ليس بربي.
وقوله عليهالسلام : «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ، إذ تمام الدليل : لكنكم ضحكتم كثيرا وبكيتم قليلا فلم تعلموا ما أعلم.
ويرى أن أبا دلف العجلي قصده شاعر تميمي ، فقال له : ممن أنت؟ فقال : من تميم ، فقال أبو دلف :
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا |
|
ولو سلكت سبل الهداية ضلت |
فقال له التميمي : بتلك الهداية جئت اليك ، فأفحمه.
__________________
(١) هذه التسمية تنسب للجاحظ.
(٢) المراد بالفساد خروجهما من النظام الذي هما عليه (سورة الانبياء).
(٣) أي بقياس حملي يفيد أن المجيء اليه ضلال ، لكن القياس الشرطي أوضح دلالة في هذا الباب وأعذب في الذوق وأسهل في التركيب (سورة الأنعام).