على وجه يشعر بتفريعه عن الأول ، وعليه قول الكميت يمدح آل البيت :
أحلامكم لسقام الجهل شافية |
|
كما دماؤكم تشفي من الكلب |
فقد فرع من وصفهم بشفاء أحلامكم لسقام الجهل ووصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب.
تأكيد المدح بما يشبه الذم
وهو على ضروب ثلاثة :
١ ـ وهو أبلغها أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها ، وذلك هو الغاية القصوى في المدح كقول النابغة الذبياني :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب (١) |
فقد أثبت لهم شيئا من العيوب بتقدير عد فلول السيف من المعايب ، وهذا محال ، لأن ذلك دليل كمال الشجاعة وفرط الحمية ، فكأنه في المعنى تعليق على المحال ، كما قالوا في الأمثال : حتى يبيض الفار ، وحتى يلج الجمل في سم الخياط ، وفي هذا الأسلوب تأكيد من وجهين :
(أ) أنه كدعوى أقيم عليها البرهان ، إذ كأنه استدل على نفي العيب عنهم بتعليق وجوده على وجود ما لا يكون وما لا يتحقق بحال.
(ب) أن الأصل في الاستثناء الاتصال ، فإذا تلفظ المتكلم بغير أو إلا أو نحوهما دار في خلد السامع قبل النطق بما يذكر بعدها أن الآتي مستثنى من المدح السابق ، وأنه يراد به إثبات شيء من الذم وهذا ذم ، فإذا أتت بعدها صفة مدح تأكد المدح لكونه (٢) مدحا على مدح في أبهى قالب وآنق منظر.
ونظيره قول ابن الرومي :
وما تعتريها آفة بشرية |
|
من النوم إلا أنها تتخير |
كذلك أنفاس الرياض بسحره |
|
تطيب وأنفاس الرياض تغير |
__________________
(١) الفلول جمع فل بفتح الفاء الكسر يصيب السيف في حده ، والقراع المقارعة والمضاربة ، والكتائب جمع كتيبة.
(٢) وللاشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر الى استثناء صفة المدح وتحويل الاستثناء من متصل الى منقطع.