السرقات الشعرية وما يتصل بها
إذا توافق الشاعر أن على اللفظ والمعنى ، أو المعنى وحده ، فإن لم يعلم أخذ الثاني من الأول ، جاز أن يكون من قبيل اتفاق القرائح وتوارد الأفكار من غير قصد الى سرقة وأخذ ، ويسمى ذلك مواردة ، ويرشد الى ذلك ابن ميادة لما أنشد ابن الأعرابي قوله لنفسه :
مفيد ومتلاف إذا ما أتيته |
|
تهلل واهتز اهتزاز المهند |
قيل له : أين يذهب بك ، هذا للحطيئة ، قال : الآن علمت أني شاعر إذ وافقته على قوله ولم أسمعه إلا الساعة.
ولذا لا ينبغي لأحد أن يحكم على شاعر بالسرقة ما لم يعلم جلية أمره بأن يتيقن أنه كان يحفظ قول من سبقه حينما نظم أو بأن يخبر عن نفسه بأنه أخذ ممن تقدمه فإن لم يعرف ذلك فالواجب أن يقال : قال فلان كذا وقد سبقه اليه فلان فقال كذا ، حتى يتباعد عن دعوى العلم بالغيب ويسلم من انتقاص غيره ويكون صادقا فيما حكم وقال.
واعلم أن اتفاق القائلين إن كان في الغرض ، كالوصف بالشجاعة ، والسخاء ، والذكاء ، أو في وجه الدلالة على الغرض كوصف الرجل حال الحرب بالابتسام وسكون الجوارح ، وقلة الفكر ، ووصف الجواب بالتهلل عند ورود العفاة والارتياح لرؤيتهم ـ لا يعد هذا سرقة ولا استعانة لأن تلك أمور اشتركت فيها العقول وتقررت بحكم العادات واستوى فيها الفصيح والأعجم ، كقولهم في الغزل : إن الطيف يجود بما يبخل به صاحبه ، وفي الممدوح : إن الممدوح يجود ابتداء من غير مسألة ، وفي الرثاء ، إن هذا الرزء أول حادث ، وإن هذا الذاهب لم يكن واحدا وإنما كان قبيلة ، الى أشباه ذلك مما يجري هذا المجرى.
أما اذا احتاج المعنى الى كدّ الفكر فذاك هو الذي يدعى فيه الاختصاص