الباب الثالث في الذكر
لم يتعرض لهذا الباب كثير من أئمة هذا الفن كأبي هلال العسكري والإمام عبد القاهر ، وكأنهم لم يروا فيه من اللطائف والمزايا ما يسيغ البحث عنه في علوم الفصاحة إذ هو بمباحث علم النحو أشبه.
ولكن المتأخرين كالسكاكي وشيعته ذكروا فيه نكات ومزايا لم يستطيعوا أن يردفوها بآي من التنزيل ، أو بشواهد من كلام ذوي اللسن والفصاحة ، وقصارى ما قالوه إن المسند اليه يذكر وجوبا اذا لم تقم قرينة تدل عليه كان الكلام معمى لا يستبين المراد منه ، ويترجح اذا وجدت القرينة لمزية من المزايا الآتية :
١ ـ أنه الأصل وليس هناك ما يقتضي العدول عنه ، كما تقول : هذا أخي وذلك صديقي.
٢ ـ زيادة الكشف والإيضاح ، كما تقول : اللبيب من فكّر في العواقب ، اللبيب من خالف نفسه الأمارة بالسوء.
وعليه قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١). ففي تكرير اسم الإشارة تنبيه الى أنهم كما ثبت لهم الأثرة بالهدى فهي ثابتة لهم بالفلاح أيضا ، فجعلت كل واحدة منهما في تمييزهم بها عن غيرهم بالمثابة التي لو انفردت كفت مميزة على حيالها ، قاله في «الكشاف».
بسط الكلام في مقام الافتخار ، كقول سامي البارودي :
أنا مصدر الكلم البوادي |
|
بين المحاضر والنوادي |
أنا فارس أنا شاعر |
|
في كل ملحمة ونادي |
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٥.