الباب الرابع في الحذف
وفيه أربعة مباحث
المبحث الأول في مزايا الحذف وشروطه
من دقائق اللغة ، وعجيب سرها ، وبديع أساليبها ، أنك قد ترى الجمال والروعة تتجلى في الكلام اذا أنت حذفت أحد ركني الجملة أو شيئا من متعلقاتها ، فإن أنت قدرت ذلك المحذوف وأبرزته صار الكلام الى غث سفساف ونازل ركيك لا صلة بينه وبين ما كان عليه أولا.
ومن ثم قال في «دلائل الإعجاز» : هذا باب دقيق المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر ، شبيه بالسحر ، فإنك ترى به ترك الذكر ، والصمت عن الإفادة ، أزيد للإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون اذا لم تنطق ، وأتم ما تكون بيانا اذا لم تبين ، وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر ، وتدفعها حتى تنظر. اه.
ومن شرط الحذف أن يكون في الكلام ما يدل على المحذوف ، وإلا كان تعمية وإلغازا ، ومن شرط حسنه أنه متى أظهر المحذوف زال ما كان في الكلام من البهجة والطلاوة ، وهو على ضربين :
١ ـ ضرب يظهر فيه المحذوف عند الاعراب كقولهم : أهلا وسهلا ، فإن نصب الأهل والسهل يدل على ناصب محذوف يقدر بنحو : جئت أهلا ونزلت مكانا سهلا ، وليس لهذا الحذف من الحسن والاريحية ما تجده في قسميه الثاني.
٢ ـ ضرب لا يظهر بالاعراب ، وإنما تعلم مكانه اذا أنت تصفحت المعنى ووجدته لا يتم اذا لم يراع ذلك المحذوف كما يقال : فلان يحل ويعقد ، ويعطي ويمنع ، إذ من البين أن المعنى يحل الأمور ويعقدها ، ويعطي ما يشاء ويمنع ما يشاء ، ولكن لا سبيل الى إظهار ذلك المحذوف ، ولو أظهرته زالت تلك البهجة وضاع ما تشعر به من رواء وجمال.