ونصب نفسي له وتعبي ، بتبديد ما جمعت ، وتشتيت ما لفّقت ، وتفريق ملتئم محاسنه ، ونفي كل علق نفيس عن معادنه ومكامنه ، باقتضابه واختصاره ، وتعطيل جيده من حليّه وأنواره ، وغصبه إعلان فضله وأسراره ، فربّ راغب عن كلمة غيره متهالك عليها ، وزاهد عن نكتة غيره مشعوف بها ، ينضي الركاب إليها.
فإن أجبتني فقد بررتني ، جعلك الله من الأبرار ، وإن خالفتني فقد عققتني والله حسيبك في عقبى الدار.
ثم اعلم أن المختصر لكتاب كمن أقدم على خلق سويّ ، فقطع أطرافه فتركه أشلّ اليدين ، أبتر الرجلين ، أعمى العينين ، أصلم الأذنين ، أو كمن سلب امرأة حليّها فتركها عاطلا ، أو كالذي سلب الكميّ سلاحه فتركه أعزل راجلا.
وقد حكي عن الجاحظ أنه صنّف كتابا وبوّبه أبوابا ، فأخذه بعض أهل عصره فحذف منه أشياء وجعله أشلاءً ، فأحضره وقال له : يا هذا إن المصنّف كالمصوّر وإني قد صوّرت في تصنيفي صورة كانت لها عينان فعوّرتهما ، أعمى الله عينيك ، وكان لها أذنان فصلّمتهما ، صلّم الله أذنيك ، وكان لها يدان فقطعتهما ، قطع الله يديك ، حتى عدّ أعضاء الصورة ، فاعتذر اليه الرجل بجهله هذا المقدار ، وتاب إليه عن المعاودة إلى مثله.
ثم أهديت هذه النّسخة بخطي إلى خزانة مولانا الصاحب الكبير ، العالم الجليل الخطير ، ذي الفضل البارع ، والإفضال الشائع ، والمحتد الأصيل ، والمجد الأثيل ، والعزّة القعساء ، والرتبة الشّمّاء ، الفائز من ا لمكارم بالقدح المعلّى ، المتقلد من المكارم بالصارم المحلّى ، إمام الفضلاء ، وسيّد الوزراء ، السيّد الأجلّ الأعظم ، القاضي جمال الدين الأكرم ، أبي الحسن علي بن يوسف بن ابراهيم بن عبد الواحد الشّيباني ثم التّيمي ، حرس الله مجده وأسبغ ظلّه وأهلك ندّه ونصر جنده وهزم ضده ، إذ كنت منذ وجدت في حلّ وترحال ، ومبارزة للزمان ونزال ، أسأل منه سلما ولا يزيدني إلا هضما.
فلما قضت نفسي ، من السّير ، ما قضت ، |
|
على ما بلت من شدة وليان |
بعد طول مكابدة حرفة الحرفة وانتظار تبلّج ظلام الحظ يوما من سدفة :
علقت بحبل من حبال ابن يوسف ، |
|
أمنت به من طارق الحدثان |
فردّ عني صرف الدهر والمحسن ، ورفّه خاطري عن معاندة الزمن. لمّا :
تغطيّتُ ، عن دهري ، بظلّ جناحه ، |
|
فعيني ترى دهري ، وليس يراني |
فأصبحت من كنفه في حريز ، حريز ، ومن إحسانه وتكرّمه في موطن عزيز :
فلو تسأل الأيام عني لما درت ، |
|
وأين مكاني ، ما عرفن مكاني |