واختلفوا في البحار والمياه والأنهار فروى المسلمون أن الله خلق البحر مرّا زعاقا ، وأنزل من السماء الماء العذب كما قال الله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ). وكل ماء عذب من بئر أو نهر ، من ذلك ، فإذا اقتربت الساعة بعث الله ملكا معه طشت ، فجمع تلك المياه فردّها إلى الجنّة. ويزعم أهل الكتاب أن أربعة أنهار تخرج من الجنة : الفرات وسيحون وجيحون ودجلة ، وذلك أنهم يزعمون أن الجنة في مشارق الأرض.
وأما كيفية وضع البحار في المعمورة ، فأحسن ما بلغني فيه ما حكاه ابو الريحان البيروني ، فقال أما البحر الذي في مغرب المعمورة وعلى ساحل بلاد طنجة والأندلس ، فإنه سمّي البحر المحيط ، وسمّاه اليونانيّون أوقيانوس ، ولا يلجّج فيه ، إنما يسلك بالقرب من ساحله ، وهو يمتدّ من عند هذه البلاد نحو الشمال على محاذاة أرض الصقالبة ، ويخرج منه خليج عظيم في شمال الصقالبة ، ويمتدّ إلى قرب أرض بلغار بلاد المسلمين ، ويعرفونه ببحر ورنك ، وهم أمة على ساحله ، ثم ينحرف وراءهم نحو المشرق ، وبين ساحله وبين أقصى أرض التّرك أرضون وجبال مجهولة خربة غير مسلوكة. وأما امتداد البحر المحيط الغربي من أرض طنجة نحو الجنوب ، فإنه ينحرف على جنوب أرض سودان المغرب وراء الجبال المعروفة بجبال القمر التي تنبع منها عيون نيل مصر ، وفي سلوكه غزر لا تنجو منه سفينة. وأما البحر المحيط من جهة الشرق وراء أقاصي أرض الصين ، فإنه أيضا غير مسلوك ويتشعّب منه خليج يكون منه البحر الذي يسمّى في كل موضع من الأرض التي تحاذيه ، فيكون ذلك أوّلا بحر الصين ، ثم الهند ، وخرج منه خلجان عظام يسمّى كل واحد منها بحرا على حدة ، كبحر فارس والبصرة ، الذي على شرقيّة تيز ومكران ، وعلى غربيّه في حياله فرضة عمان ، فإذا جاوزها بلغ بلاد الشّحر التي يجلب منها الكندر ، ومرّ إلى عدن ، وانشعب منه هناك خليجان عظيمان ، أحدهما المعروف بالقلزم ، وهو ينعطف فيحيط بأرض العرب حتى تصير به كجزيرة ، ولأنّ الحبشة عليه بحذاء اليمن فإنه يسمّى بهما ، فيقال لجنوبيّه بحر الحبشة ، وللشمالي بحر اليمن ، ولمجموعهما بحر القلزم ، وإنما اشتهر بالقلزم لأن القلزم مدينة على منقطعه في أرض الشام حيث يستدقّ ويستدير عليه السائر على الساحل نحو أرض البجة. والخليج الآخر المقدّم ذكره ، هو المعروف ببحر البربر ، يمتدّ من عدن إلى سفالة الزنج ، ولا يتجاوزها مركب لعظم المخاطرة فيه ويتّصل بعدها ببحر أوقيانوس المغربي ، وفي هذا البحر من نواحي المشرق جزائر الرانج ، ثم جزائر الديبجات ، وقمير ، ثم جزائر الزابج ، ومن أعظم هذه الجزائر ، الجزيرة المعروفة بسر نديب ، ويقال لها بالهندية سنكاديب ، ومنها تجلب أنواع اليواقيت جميعها ، ومنها يجلب الرصاص القلعي ، وسربزه ومنها يجلب الكافور. ثم في وسط المعمورة في أرض الصقالبة والروس ، بحر يعرف ببنطس عند اليونانيين ، وعندنا يعرف ببحر طرابزندة ، لأنها فرضة عليه ، ويخرج منه خليج يمرّ على سو مدينة القسطنطينية ، ولا يزال يتضايق حتى يقع في بحر الشام الذي على جنوبيّه بلاد المغرب إلى الإسكندرية ومصر ، وبجذائها في الشمال أرض الأندلس والروم ، وينصبّ إلى البحر المحيط عند الأندلس في مضيق يذكر في الكتب بمعبرة هيرقلس ،