الاستحالات ، فطعم كل ماء على طعم تربته.
واختلفوا في الجبال ، قال الله تعالى : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) ، وقال : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً). وحكي عن بعض اليونان أن الأرض كانت في الابتداء تكفأ لصغرها ، وعلى طول الزمان تكاثفت وثبتت ، وهذا القول يصدّقه القرآن لو أنه زاد فيه أنها تثبت بالجبال ، ومنهم من زعم أن الجبال عظام الأرض وعروقها.
واختلفوا فيما تحت الأرض ، فزعم بعض القدماء أن الأرض يحيط بها الماء ، والماء يحيط به الهواء ، والهواء يحيط به النار ، والنار يحيط بها السماء الدنيا ، ثم الثانية ، ثم الثالثة ، إلى السابعة ، ثم يحيط بها فلك الكواكب الثابتة ، ثم فوق ذلك الفلك الأعظم المستقيم ، ثم فوقه عالم النفس ، وفوق عالم النفس عالم العقل ، وفوق عالم العقل الباري ، جلّت عظمته ، ليس وراءه شيء.
فعل هذا الترتيب ان السماء تحت الأرض كما هي فوقها. وفي أخبار قصّاص المسلمين أشياء عجيبة تضيق بها صدور العقلاء ، أنا أحكي بعضها غير معتقد لصحّتها : رووا أن الله تعالى خلق الأرض تكفأ كما تكفأ السفينة ، فبعث الله ملكا حتى دخل تحت الأرض ، فوضع الصخرة على عاتقه ، ثم أخرج يديه : إحداهما بالمشرق ، والأخرى بالمغرب ، ثم قبض على الأرضين السبع فضبطها ، فاستقرّت ، ولم يكن لقدمه قرار ، فأهبط الله ثورا من الجنّة له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة ، فجعل قرار قدمي الملك على سنامه ، فلم تصل قدماه إليه ، فبعث الله ياقوتة خضراء من الجنة ، مسيرها كذا ألف عام ، فوضعها على سنام الثور ، فاستقرّت عليها قدماه ، وقرون الثور خارجة من أقطار الأرض ، مشبّكة تحت العرش ، ومنخر الثور في ثقبين من تلك الصخرة تحت البحر ، فهو يتنفّس كل يوم نفسين ، فإذا تنفّس مدّ البحر وإذا ردّه جزر ، ولم يكن لقوائم الثور قرار ، فخلق الله تعالى كمكما كغلظ سبع سموات وسبع أرضين ، فاستقرّت عليها قوائم الثور ، ثم لم يكن للكمكم مستقرّ فخلق الله تعالى حوتا يقال له : بلهوت ، فوضع الكمكم على وبر ذلك الحوت ، والوبر الجناح الذي يكون في وسط ظهر السمكة ، وذلك الحوت على ظهر الريح العقيم ، وهو مزموم بسلسلة ، كغلظ السماوات والأرضين ، معقودة بالعرش. قالوا ثم إن إبليس انتهى إلى ذلك الحوت ، فقال له : إن الله لم يخلق خلقا أعظم منك ، فلم لا تزلزل الدنيا؟ فهمّ بشيء من ذلك ، فسلّط الله عليه بقّة في عينيه فشغلته ، وزعم بعضهم أن الله سلّط عليه سمكة كالشطبة ، فهو مشغول بالنظر إليها ويهابها. قالوا : وأنبت الله تعالى من تلك الياقوتة التي على سنام الثور ، جبل قاف ، فأحاط بالدنيا ، فهو من ياقوتة خضراء ، فيقال ، والله أعلم ، إن خضرة السماء منه ، ويقال إن بينه وبين السماء قامة رجل ، وله رأس ووجه ولسان ، وأنبت الله تعالى من قاف الجبال ، وجعلها أوتادا للأرض كالعروق للشجر ، فإذا أراد الله ، عز وجل ، أن يزلزل بلدا ، أوحى الله إلى ذلك الملك : أن زلزل ببلد كذا ، فيحرّك عرقا مما تحت ذلك البلد ، فيتزلزل ، وإذا أراد أن يخسف ببلد أوحى الله إليه : أن اقلب العرق الذي تحته ، فيقلبه فيخسف البلد. وزعم وهب بن منبّه ، أن الثور والحوت يبتلعان ما ينصبّ