الباب الثاني
في ذكر الأقاليم السبعة واشتقاقها والاختلاف في كيفيتها
نبدأ ، أولا ، فنورد عنهم قولا مجملا ، يكون عمادا وبيانا لما نأتي به بعد ، وهو أشدّ ما سمعت في معناه وألخصه ، قالوا : جميع مسافة دوران الأرض ، بالقياس المصطلح عليه ، مائة ألف ألف وستمائة ألف ميل ، كل ميل أربعة آلاف ذراع ، الذراع أربعة وعشرون إصبعا ، كل ثلاثة أميال منها فرسخ ، والأرض التي هي المساحة مقدار دورها ، ثلاثة أرباعها مغمورة بالماء ، والربع الباقي مكشوف ، والمعمورة هي المسكون من هذا الربع المكشوف ثلثه وثلث عشره ، والباقي خراب ، وهذا المقدار من الربع المسكون مساحته ثلاثة وثلاثون ألف ألف ومائة وخمسون ألف ميل ، وهذا العمران هو ما بين خطّ الاستواء إلى القطب الشمالي ، وينقسم إلى سبعة أقاليم ، واختلفوا في كيفيتها على ما نبيّنه. واختلف قوم في هذه الأقاليم السبعة : في شمالي الأرض وجنوبيّها ، أم في الشمال دون الجنوب ، فذهب هرمس إلى أن في الجنوب سبعة أقاليم كما في الشمال. قالوا وهذا لا يعوّل عليه لعدم البرهان ، وذهب الأكثرون إلى أن الأقاليم السبعة في الشمال دون الجنوب ، لكثرة العمارة في الشمال وقلّتها في الجنوب ، ولذلك قسموها في الشمال دون الجنوب. وأما اشتقاق الأقاليم فذهبوا إلى أنها كلمة عربية ، واحدها إقليم ، وجمعها أقاليم ، مثل إخريط وأخاريط ، وهو نبت ، فكأنه إنما سمّي إقليما ، لأنه مقلوم من الأرض التي تتاخمه ، أي مقطوع ، والقلم في أصل اللغة القطع ، ومنه قلمت ظفري ، وبه سمي القلم لأنه مقلوم ، أي مقطوع مرّة بعد مرّة ، وكلما قطعت شيئا بعد شيء فقد قلمته. وقال محمد بن أحمد أبو الرّيحان البيروني : الإقليم على ما ذكر أبو الفضل الهروي في المدخل الصاحبي هو الميل ، فكأنهم يريدون بها المساكن المائلة عن معدّل النهار. قال : وأما على ما ذكر حمزة بن الحسن الأصفهاني ، وهو صاحب لغة ومعنيّ بها ، فهو الرستاق ، بلغة الجرامقة سكّان الشام والجزيرة ، يقسمون بها المملكة ، كما يقسم أهل اليمن بالمخاليف ، وغيرهم بالكور والطساسيج وأمثالها. قال : وعلى ما ذكر أبو حاتم الرازي في كتاب الزينة ، هو النصيب ، مشتقّ من القلم بإفعيل ، إذ كانت مقاسمة الأنصباء بالمساهمة بالأقلام مكتوبا عليها أسماء السهام كما قال الله تعالى : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ).
وقال حمزة الأصفهاني : الأرض مستديرة الشكل ، المسكون منها دون الربع ، وهذا الربع ينقسم