وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلّا بتوقيف ممّا نعلم وتعلمون أنَّ المراد منه إنّما عرف بالتّوقيف دون غيره ، فليس يجوز حمله على اللّغة لانك تحتاج أوّلا أن تعلم أنَّ الكلام الّذي تريد أن تتأوله ليس فيه توقيف أصلاً ، لا في جمله ولا في تفصيله.
فان قال منهم قائلٌ : لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يعرف بالتوقيف فقد وقف الله رسوله صلىاللهعليهوآله ، وما كان سبيله أن يستخرج فقد وكّل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلاً على بعض فاستغنينا بذلك عمّا تدَّعون من التوقيف والموقّف.
قيل له : لا يجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم لأنّا نجد للاية الواحدة تأويلين متضادِّين كلّ واحد منهما يجوز في اللّغة ويحسن أن يتعبد الله به ، وليس يجوز أن يكون للمتكلم الحكيم كلام يحتمل مرادين متضادين.
فان قال : ما ينكر أن يكون في القرآن دلالة على أحد المرادين وأن يكون العلماء بالقرآن متى تدّبروه علموا المراد بعينه دون غيره.
فيقال للمعترض بذلك : أنكرنا هذا الّذي وصفته لامر نخبرك به : ليس تخلو تلك الدّلالة الّتي في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتملة للتأويل أو غير محتملة فإنَّ كانت محتملة للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية وإن كانت لا تحتمل التأويل فهي إذا توقيف ونصٌّ على المراد بعينه ويجب أن لا يشكل على أحد علم اللّغة معرفة المراد ، وهذا ما لا تنكره العقول ، وهو من فعل الحكيم جائز حسن ، ولكنّا إذا تدبّرنا آي القرآن لم نجد هكذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائماً بين أهل العلم بالدين واللّغة ، ولو كان هناك آياتٌ تفسّر آيات تفسيراً لا يحتمل التأويل لكان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين ، ولأمكن كشف أمرهم بأهون السعي ، ولكان من تأوَّل الآية خارجاً من اللّغة ومن لسان أهلها ، لأنَّ الكلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته على ما لا يحتمله خرجت عن اللّغة الّتي وقع الخطاب بها ، فدلّونا يا معشر الزّيديّة على آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدلُّ نصّاً وتوقيفاً على تأويلها ، وهذا أمر متعذِّرٌ وفي تعذُّره دليلٌ على أنَّه لابدّ للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيخبر به ، وهذا عندي واضحٌ.