عن السيئة ، وقد رحمتهم ولم يمنعني إجابتهم إلى ما سألوني من المطر إلّا مناظرتك فيما سألتني أن لا امطر السماء عليهم حتّى تسألني ، فسلني يا إدريس حتّى اغيثهم وامطر السّماء عليهم؟ قال إدريس : اللّهمّ إنّي لا أسألك ذلك (١) قال الله عزَّ وجلَّ : ألم تسألني يا إدريس فأجبتك إلى ما سألت وأنا أسألك أن تسألني فلم لا تجب مسألتي؟ قال : إدريس اللّهمّ لا أسألك ، فأوحي الله عزَّ وجلَّ إلى الملك ـ الّذي أمره أن يأتي إدريس بطعامه كلِّ مساء ـ أن احبس عن إدريس طعامه ولا تأته به ، فلمّا أمسى إدريس في ليلة ذلك اليوم فلم يؤت بطعامه حزن وجاع فصبر ، فلمّا كان في (ليلة) اليوم الثاني فلم يؤت بطعامه اشتدَّ حزنه وجوعه ، فلمّا كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتدَّ جهده وجوعه وحزنه وقل صبره فنادى ربّه يا رب حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحي ، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة أيّام ولياليها ولم تجزع ولم تذكر (٢) جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة ، ثمّ سألتك عن جهدهم ورحمتي إيّاهم أن تسألني أن امطر السماء عليهم فلم تسألني وبخلت عليهم بمسألتك إيّاي فأدَّبتك بالجوع (٣) ، فقلَّ عند ذلك صبرك وظهر جزعك ، فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى حيلتك.
فهبط إدريس عليهالسلام من موضعه إلى قرية يطلب اكلة من جوع فلمّا دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة وهي ترقق قرصتين لها على مقلاة ، فقال لها : أيّتها المرأة أطعميني فاني مجهود من الجوع فقالت له : يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلاً نطعمه أحداً ـ وحلفت أنّها ما تملك غيره شيئاً ـ فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية ، فقال لها : أطعميني ما اُمسك به روحي وتحملني به رجلي إلى أن أطلب ، قالت : إنّما هما قرصتان واحدة لي والاخرى لابني فإنَّ أطعمتك قوتي مت ، وإن أطعمتك قوت ابني مات ، وما ههنا فضل اطعمكه ، فقال لها : إنَّ
__________________
(١) أمره تعالى إيّاه بالدعاء على سبيل الندب أو التخيير ، وعرض ادريس عليهالسلام عن التأخير زجرهم عن الفساد وتنبيههم لئلا يخالفوا ربهم بعد دخوله فيهم.
(٢) في بعض النسخ « ولم تنكر ».
(٣) في البحار « مأذقتك الجوع ».