واحتج (١) من قال بعدم إفادة لفظ الأمر الوجوب : بتقسيم الأمر الى الواجب والنّدب. وهو لا يستلزم كونه (٢) حقيقة فيهما ، إذ لو أريد أنّ الأمر الحقيقي ينقسم ، فهو غير مسلّم ، وإن أريد الأعمّ ، فلا ينفع ، مع أنّه ينقسم الى ما ليس بحقيقة فيه اتّفاقا ، كالتسخير والتعجيز ونحوهما (٣).
وكذلك الكلام في قولهم : إنّ المندوب طاعة ، والطاعة فعل المأمور به ، فإنّ الطاعة إمّا فعل المأمور به الحقيقي أو فعل المندوب ، لا فعل المأمور به الحقيقي فقط ، وإن أريد الأعمّ من المأمور به الحقيقي ، فلا يجديهم نفعا.
ولمّا كان العالي قد يطلب الشيء ولكن لا على سبيل الاستعلاء ، كالمندوب ، فإنّه إرشاد وهداية ، ولا يلزم فيه اعتبار الاستعلاء ، فلا بدّ أن يميّز بين أقسام طلبه بالتميّز بين الألفاظ التي يطلب بها حتّى يعلم أيّها أمر وأيّها ندب وإرشاد.
وقد ظهر لك ، أنّ الطلب إذا كان بما يشتقّ من أصل الأمر كقوله : آمرك بكذا ، أو أنت مأمور بكذا ، ونحو ذلك ، يفيد الوجوب وهو أمر حقيقة.
وأما إذا كان الطلب من العالي بغير ما يشتقّ من لفظ الأمر ، كالصّيغ الموضوعة للطّلب مثل : افعل وأخواته (٤) ، ورويد وأخواته (٥) ، فهو الذي جعله الأصوليّون
__________________
(١) أولى الحجّتين للحاجبيين وأشار إليه الآمدي أيضا.
(٢) أي كون التقسيم المذكور أو الاحتجاج المذكور.
(٣) كالارشاد وغيره وهي وان كانت من معاني افعل ، إلّا ان افعل أيضا من جملة مصاديق لفظ الأمر.
(٤) والمراد بأخواته شيئان : أحدهما : الأمر بالصيغة من سائر المباني المجرّدة ثلاثية ورباعية ، وكذلك المزيدة. وثانيهما : الأمر الغائب سواء كان معلوما أو مجهولا.
(٥) يحتمل أن يكون المراد من أخواته هو أسماء الأفعال القياسية كنزال مثلا لكون نفس ـ