والالتفات الى هذه القرينة ـ أعني وقوع الصّيغة عقيب الحظر ـ يوجب تقديم إرادة المعنى المجازي وهو الإباحة على الحقيقي فيدور ترجيح المعنى الحقيقي ، أو المجازي مع القرينة على حصول الترجيح والظهور ، ولمّا كان قرينة الشّهرة ليست من قبيل القرائن الأخر ، وكانت منضبطة ؛ أفردوا الكلام فيها في باب تعارض الأحوال ، وإلّا فالدّوران والتعارض حاصل في جميع القرائن ، لكنّها غير منضبطة ، فالترجيح فيها يتفاوت بالنسبة الى تفاوت الناظرين وبالنسبة الى المقامات ، فاضبط ذلك.
ويدلّ على ذلك أيضا تتبّع موارد الاستعمال ، فإنّك لو تتبّعتها وتأمّلتها بعين الإنصاف تجد ما ذكرنا. ولو بقي لك شكّ في موضع ، فألحقه بالغالب ، لأنّ الظنّ يلحق الشيء بالأعمّ الأغلب.
وهذه قاعدة نفيسة مبرهن عليها بالعقل والعرف والشّرع ، قد حرم عن فوائدها من لم يصل الى حقيقتها ، وقد أشرنا إليه سابقا.
ثمّ إنّ بعضهم لاحظ مثل قول المولى لعبده : اخرج من المحبس الى المكتب (١) ، ومثل قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(٢). و : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)(٣) ، وأمر الحائض والنّفساء بالصّلاة والصّوم بعد رفع المانع وقال بالوجوب ، مضافا الى أنّ
__________________
(١) وهذا المثال أيضا في «الفصول» ص ٧١ وقد أجاب عنه ، وذكر في «المحصول» :١ / ٣٠٥ : لو قال الوالد لولده : اخرج من الحبس الى المكتب. فهذا لا يفيد الاباحة مع أنّه أمر بعد الحظر الحاصل بسبب الحبس ، وكذا أمر الحائض والنفساء بالصلاة والصوم ورد بعد الحظر وإنّه للوجوب.
(٢) التوبة : ٥.
(٣) البقرة : ١٩٦.