وبين قائل بأنّ الامتثال إنّما يحصل بالمرّة ، ولا معنى للامتثال عقيب الامتثال ، وحينئذ فيمكن أن يكون من قبيل الاحتمال الأوّل في المرّة ، فلم يكن عقاب كما لم يكن ثواب ، فينتفي ثمرة النزاع بينهما.
ويمكن أن يكون من قبيل الاحتمال الثاني فيها ، فينتفي ثمرة النزاع بينهما أيضا.
وما ذكرنا من الاحتمالين ينشأ من القول بكون ما لم يرد عليه من الشارع دليل ، تشريعا حراما ، كما هو المشهور المحقّق وعدمه (١).
والحقّ هو الأوّل ، وعلى هذا ، فلا يظهر بين القولين في المرّة أيضا ثمرة.
والأقرب عندي أنّها لا تدلّ إلّا على طلب الماهيّة (٢) ، وأنّ الامتثال إنّما يحصل بالمرّة الأولى ، لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، والإتيان به ثانيا وثالثا تشريع محرّم ، لكون أحكام الشّرع توقيفيّة موقوفة على التوظيف.
لنا : أنّ الأوامر وسائر المشتقّات مأخوذة من المصادر الخالية عن اللّام والتنوين ، وهي حقيقة في الطبيعة لا بشرط شيء اتّفاقا ، كما صرّح به السّكاكي (٣).
وما قيل : من أنّ اسم الجنس موضوع للماهيّة مع قيد الوحدة المطلقة ، فإنّما يسلم إذا كان مع التنوين والوحدة والتكرار ، مثل سائر صفات الطبيعة ، قيود خارجة عنها ، فلا دلالة للّفظ الدالّ على الطبيعة الكلّية على شيء من قيودها ، لأنّ العامّ لا يدلّ على الخاصّ ، والهيئة العارضة لهذه المادة لا تفيد أزيد من طلبها بحكم
__________________
(١) أي وعدم القول بكونه تشريعا حراما.
(٢) يعني من غير أن يدل على ما يزيد على ذلك.
(٣) وذلك في مبحث التعريف باللّام في «المفتاح» ونقل عنه ذلك أيضا في «الفصول» : ص ٧١.