بقي الكلام في قول من يصرّح بحصول الامتثال بالإتيان ثانيا ، وهكذا مع قوله بالماهيّة كصاحب «المعالم» رحمهالله (١).
والتحقيق ، أنّه إن أراد حصول الامتثال في الجملة ، أي ولو في ضمن المرّة الأولى فحسن ، وإلّا فنقول : أنّه لا معنى للامتثال عقيب الامتثال ، فإنّ الامتثال قد حصل بالأولى جزما.
وما يتوهّم (٢) أنّه يكون من باب الواجب المخيّر بين الواحد والاثنين والأزيد.
ففيه : أنّه إن أريد التخيير المستفاد من العقل في الواجبات العينيّة فإنّ الكلّي المكلّف به عينا لا يمكن الإتيان به إلّا بإتيان الأفراد ، فيكون الأفراد من باب مقدّمة الواجب ، والعقل يحكم بجواز الإتيان بأيّ فرد يتحقّق في ضمنه الكلّي ، فلا ريب أنّه مع ذلك يوجب الإتيان بالمرّة الأولى سقوط الواجب عن ذمّة المكلّف ، فلا يبقى بعد واجب حتّى يمكن الإتيان بمقدّمته ، فضلا عن الوجوب.
وإن أريد التخيير المستفاد من النقل المدلول عليه بهذا الأمر.
__________________
(١) ص ١٤٩.
(٢) قال في الحاشية : إنّ لهذه العبارة محامل ثلاثة ، أحدها : أن يكون بمنزلة الاشكال على ما ذكره من التقريب بقوله : لا معنى للامتثال عقيب الامتثال. والنقض عليه : بأن يقال : كيف يستحيل وقد وقع في الواجب التخيير بين الزّائد والناقص ، فإنّه تمثيل فيه بالزّائد كالتسبيحات الأربع في الركوع والسجود ، والأربعين في نزح البئر بعد تحقّق الامتثال بالناقص من الواحدة والثلاثة. وثانيهما : أن يكون بمنزلة الاستدلال للخصم على أنّ الامتثال يحصل ثانيا وثالثا ، بأن يقال لو امتنع لكان لسبق الامتثال لكنّه ليس بمانع لتحققه في التخيير بين الزّائد والناقص. وثالثها : أن يكون امتثالا بعد الامتثال ، بل مراده أنّ مجموع الأوّل والثاني امتثال أوّلي وكل واحد واحد جزء للامتثال ، لا امتثال مستقلّ كما في التخيير بين الزّائد والناقص.