أخذوها لمحلّ النزاع ، فلا بدّ لهم من القول بأنّها واجبة في حدّ ذاتها أيضا ، كما أنّها واجبة للوصول الى الغير ليترتّب عليه عدم الاجتماع مع الحرام ، وأن يكون بالخطاب الأصلي ليترتّب العقاب عليه ، وأنّى لهم بإثباتها (١).
ثمّ إنّ هاهنا معنى آخر للاستلزام العقلي ، وهو أنّ العقل يحكم بوجوب المقدّمة عند وجوب ذي المقدّمة ، يعني أنّ وجوب أصل الفعل يحصل من الأمر ، ووجوب مقدّمته يحصل من العقل وهو من أدلّة الشرع.
فهاهنا خطابان أصليّان للشارع تعالى ، أحدهما بلسان الرّسول الظاهر ، وثانيهما بلسان الرّسول الباطن ، والى هذا ينظر استدلالهم الآتي (٢) على إثبات وجوب مطلق المقدّمة.
وأنت خبير بأنّ ذلك لا يتمّ [حين] انفراد كلّ منهما عن الآخر حتّى يثبت الوجوب الذّاتيّ للمقدّمة ، فتأمّل.
ولعلّنا نتكلّم بعض الكلام في تتميم هذا المرام في مباحث المفهوم والمنطوق.
الثامنة : قد أشرنا أنّ وجوب المقدّمة من التوصّليّات.
والمراد بالواجب التوصّليّ : هو ما علم أنّ المراد به الوصول الى الغير ، وليس هو مطلوبا في ذاته ، ولذلك يسقط وجوب الامتثال به بفعل الغير أيضا ، كغسل الثوب النّجس للصلاة ، وبالإتيان به على الوجه المنهيّ عنه كالغسل بالماء المغصوب ، ونحو ذلك. وهذا هو السرّ في عدم اشتراط النّية فيها ، دون الواجبات
__________________
(١) وفي بعض النسخ إفراد ضمير المؤنث أيّ بإثبات تلك الجملة.
(٢) وهو قولهم : إنّ العقلاء يذمّون تارك المقدمة ... الخ. وقولهم : إنّ المقدمة لو لم تكن واجبة لجاز تركه ... الخ.